الأحد، 19 أبريل 2009

رسالة النبي {صلى الله عليه وسلم} عامة لجميع الخلق والانبياء واممهم كلهم من امته

 رسالة النبي {صلى الله عليه وسلم} عامة لجميع الخلق والانبياء واممهم كلهم من امته


قال الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه التعظيم والمنة في لتؤمنن به ولتنصرنه في هذه الآية من التنويه بالنبي {صلى الله عليه وسلم} وتعظيم قدره العلي ما لا يخفي وفيه مع ذلك انه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون الأمر مرسلا إليهم فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة وتكون الأنبياء واممهم كلهم من أمته ويكون قوله بعثت إلى الناس كافة لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضا ويتبين بذلك معنى قوله {صلى الله عليه وسلم} كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد وأن من فسره بعلم الله بأنه سيصير نبيا لم يصل إلى هذا المعنى لأن علم الله محيط بجميع الأشياء ووصف النبي {صلى الله عليه وسلم} بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي ان يفهم منه أنه امر ثابت له في ذلك الوقت ولهذا رأى آدم اسمه مكتوبا على العرش محمد رسول الله فلا بد أن يكون ذلك معنى ثابتا في ذلك الوقت ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير في المستقبل لم يكن له خصوصية بأنه نبي وآدم بين الروح والجسد لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله فلا بد من خصوصية للنبي {صلى الله عليه وسلم} لأجلها أخبر بهذا الخبر إعلاما لأمته ليعرفوا قدره عند الله تعالى فيحصل لهم الخير بذلك
قال فإن قلت أريد ان افهم ذلك القدر الزائد فإن النبوة وصف لا بد ان يكون الموصوف به موجودا وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة أيضا فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله وإن صح ذلك فغيره كذلك قلت قد جاء ان الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد فقد تكون الإشارة بقوله كنت نبيا إلى روحه الشريفة او إلى حقيقته والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وانما يعلمها خالقها ومن امده بنور الهي ثم ان تلك الحقائق يؤتي الله كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء فحقيقة النبي {صلى الله عليه وسلم} قد تكون من قبل خلق آدم آتاه الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها متهيئة لذلك وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبيا وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده فحقيقته موجودة من ذلك الوقت وإن تأخر جسده الشريف المتصف بها واتصاف حقيقته بالاوصاف الشريفة المفاضة عليه من الحضرة الالهية وانما يتأخر البعث والتبليغ وكل ما له من جهة الله تعالى ومن جهة تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخير فيه وكذلك استنباؤه وايتاؤه الكتاب والحكم والنبوة وإنما المتأخر تكونه وتنقله إلى ان ظهر {صلى الله عليه وسلم} وغيره من أهل الكرامة قد تكون إفاضة الله تعالى تلك الكرامة عليه بعد وجوده بمدة كما يشاء سبحانه ولا شك ان كل ما يقع فالله عالم به من الازل ونحن نعلم علمه بذلك بالادلة العقلية والشرعية ويعلم الناس منها ما يصل اليهم عند ظهوره كعلمهم نبوة النبي {صلى الله عليه وسلم} حين نزل عليه القرآن في أول ما جاءه جبريل وهو فعل من افعاله تعالى من جملة معلوماته ومن آثار قدرته وإرادته واختياره في محل خاص يتصف بها فهاتان مرتبتان الأولى معلومة بالبرهان والثانية ظاهرة للعيان وبين المرتبتين وسائط من أفعاله تعالى تحدث على حسب اختياره منها ما يظهر لهم بعد ذلك ومنها ما يحصل له كمال لذلك المحل وان لم يظهر لأحد من المخلوقين وذلك ينقسم إلى كمال يقارن ذلك المحل من حين خلقه وإلى كما يحصل له بعد ذلك ولا يصل علم ذلك الينا إلا بالخبر الصادق والنبي {صلى الله عليه وسلم} خير الخلق فلا كما لمخلوق اعظم من كماله ولا محل أشرف من محله فعرفنا بالخبر الصحيح حصول ذلك الكمال من قبل خلق آدم لنبينا {صلى الله عليه وسلم} من ربه سبحانه وانه أعطاه النبوة من ذلك الوقت ثم اخذ له المواثيق على الانبياء ليعلموا انه المقدم عليهم وانه نبيهم ورسولهم وفي اخذ المواثيق وهي في معنى الاستخلاف ولذلك دخلت لام القسم في لتؤمنن به ولتنصرنه الآية لطيفة أخرى في أن اخذ الميثاق من النبيين لنبينا {صلى الله عليه وسلم} وعليهم كإيمان البيعة التي تؤخذ للخلفاء وهي كأنها إيمان البيعة التي تؤخذ للخلفاء ولعل ايمان الخلفاء اخذت من هنا فانظر هذا التعظيم العظيم للنبي {صلى الله عليه وسلم} من ربه سبحانه وتعالى فاذا عرفت ذلك فالنبي {صلى الله عليه وسلم} هو نبي الأنبياء ولهذا ظهر ذلك في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه وفي الدنيا كذلك ليلة الاسراء صلى بهم ولو اتفق مجيئه في زمن آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم فنبوته عليهم ورسالته اليهم مغنى حاصل له وإنما امره يتوقف على اجتماعهم معه فتأخر ذلك الامر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافهم بما يقتضيه وفرق بين توقف الفعل على قبول المحل وتوقفه على اهلية الفاعل فهنا لا توقف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبي {صلى الله عليه وسلم} الشريفة وإنما هو من جهة وجود العصر المشتمل عليه فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك ولهذا يأتي عيسى في آخر الزمان على شريعته وهو نبي كريم على حاله لا كما يظن بعض الناس أنه يأتي واحدا من هذه الامة نعم هو واحد من هذه الامة لما قلناه من اتباعه للنبي {صلى الله عليه وسلم} وإنما يحكم بشريعة نبينا محمد {صلى الله عليه وسلم} بالقرآن والسنة وكل ما فيهما من أمر أو نهي فهو متعلق به كما يتعلق بسائر الأمة وهو نبي كريم على حاله لم ينقص منه شيء وكذلك لو بعث النبي {صلى الله عليه وسلم} في زمانه أو في زمان موسى وابراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم والنبي {صلى الله عليه وسلم} نبي عليهم ورسول إلى جميعهم فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ومتفق مع شرائعهم في الأصول لأنها لا تختلف وتقدم شريعته {صلى الله عليه وسلم} فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع إما على سبيل التخصيص وإما على سبيل النسخ أو لا نسخ ولا تخصيص بل تكون شريعة النبي {صلى الله عليه وسلم} في تلك الأوقات بالنسبة إلى أولئك الأمم ما جاءت به انبياؤهم وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة هذه الشريعة والاحكام تختلف باختلاف الاشخاص والأوقات وبهذا بان لنا معنى حديثين كانا خفيا عنا أحدهما قوله {صلى الله عليه وسلم} بعثت إلى الناس كافة كنا نظن انه من زمانه إلى يوم القيامة فبان انه جميع الناس أولهم وآخرهم

والثاني قوله {صلى الله عليه وسلم} كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد كنا نظن أنه بالعلم فبان أنه زائد على ذلك ما شرحناه وإنما يفترق الحال بين ما بعد وجود جسده {صلى الله عليه وسلم} وبلوغه الأربعين وما قبل ذلك بالنسبة إلى المبعوث إليهم وتأهلهم لسماع كلامه لا بالنسبة اليه ولا اليهم لو تأهلوا قبل ذلك وتعليق الأحكام على الشروط قد يكون بحسب المحل القابل وقد يكون بحسب الفاعل المتصرف فهنا التعليق إنما هو بحسب المحل القابل وهو المبعوث اليهم وقبولهم سماع الخطاب والجسد الشريف الذي يخاطبهم بلسانه وهذا كما يوكل الأب رجلا في تزويج ابنته اذا وجدت كفوا فالتوكيل صحيح وذلك الرجل أهل للوكالة ووكالته ثابتة وقد يحصل توقف التصرف على وجود كفو ولا يوجد إلا بعد مدة وذلك لا يقدح في صحة الوكالة واهلية الوكيل انتهى كلام السبكي بلفظه والله اعلم

ليست هناك تعليقات: