الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010

عقيدة أهل السنة في الصحابة رضى الله عنهم

عقيدة أهل السنة في الصحابة

من العقائد المقررة، ومن أصول الدين المتقررة في مذهب أهل السنة والجماعة : حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، والتدين لله بالإقرار بفضلهم من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان .

الصحابي هو : كل مسلمٍ لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورآه مؤمناً به ومات على ذلك ، ومن يكتب له شرف الصحبة لا يتطلب له سوق التعديل ، فكفى بشرف الصحبة تعديلاً .

يقول الإمام النووي رحمه الله : وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عملٌ ولا تنال درجتها بشيء ، والفضائل لا تؤخذ بقياس ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

والإمام أحمد رحمه الله يقول: فأدناهم صحبةً هو أفضل من القرن الذين لم يروه – أي : النبي صلى الله عليه وسلم - ولو لقوا الله بجميع الأعمال .

أولئك هم صحب محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لا يذكرون إلا بالجميل ، ومن ذكرهم بسوء أو استنقصهم في مقام فهو من المؤمنين على غير سبيل ، هم خير الناس للناس ، وأفضل تابع لأفضل متبوع ، فتحوا القلوب والبلاد بالصدق والإيمان قبل الرمح والسنان ، لم يعرف التاريخ البشري تاريخاً أعظم من تاريخهم ، ولا رجالاً دون الأنبياء أفضل منهم ولا أصدق ، تأمل سيرهم بعين إنصاف في كتاب الله وفي الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والثابت من آثارهم وأحوالهم ، فترى أمراً عجباً من حال القوم وعظيم ما آتاهم الله من الإيمان والحكمة والشجاعة والقوة ، حين بخل غيرهم بالنفس والمال ، وحين قعد غيرهم عن مفارقة الأهل والولدان ؛ استرخصوها في سبيل الله وإقامة دين الحق ونصرة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، استرخصوها حتى تمكنت الأمم والشعوب من العيش في أمنٍ وعدل ورغدٍ ورحمة تحت حكم الإسلام، فارقوا الأوطان ، وهجروا الخلان ، وقتلوا في سبيل الله الأبناء والآباء والإخوان ، بذلوا النفوس صابرين ، وأنفقوا الأموال محتسبين ، وناصبوا من ناوأهم متوكلين ، فآثروا رضا الله على الغنى ، والذل في سبيل الله على العز ، والغربة على الوطن .

هم المهاجرون قال الله تعالى عنهم : (( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )) [الحشر:8] .

وهم الأنصار أهل المواساة والإيثار الذين تبوءوا الدار والإيمان : (( يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ )) [الحشر : 9] .

وهم التابعون لهؤلاء السابقين : (( بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً )) [التوبة:100] .

الله عزّ شأنه وتقدست أسماؤه عدلهم وأثنى عليهم في آيات من كتابه يطول سردها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم في أحاديث يعسر حصرها مما يكون القطع بتعديلهم ، ولا يحتاج أحدٌ منهم مع تعديل الله إلى تعديل أحدٍ من الخلق : (( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )) [التوبة:100] ، (( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ )) [الفتح:18] ، فحاشاك - رحمك الله - أن تتوقف في شأن أحدٍ منهم، أو تشك في واحدٍ منهم، فلقد رضي الله عنهم، وعلم ما في قلوبهم، وعفا عنهم، وأنزل السكينة عليهم .


أحاديث تؤكد عقيدة أهل السنة في الصحابة

أخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {الله الله في أصحابي ! لا تتخذوهم غرضاً ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه } .

هم خير القرون وخير الناس وخير الأمم : (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )) [آل عمران:110] وفي الحديث الصحيح : {خير القرون قرني وخير الناس قرني } .

هم أمنةٌ للأمة فإذا ذهب قرنهم وانقرض جيلهم حلت بمن بعدهم الفتن ، وظهرت البدع ، وبرز الجور والفساد .

جاء في صحيح مسلم رحمه الله عن أبي بردة عن أبيه قال : { صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم قلنا : لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء ؟ قال : فجلسنا فخرج علينا ، فقال : مازلتم ههنا ؟ قلنا : يا رسول الله ! صلينا معك المغرب ، ثم قلنا : نجلس حتى نصلي معك العشاء ، قال : أحسنتم أو أصبتم ، قال : فرفع رأسه إلى السماء ، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء ، فقال : النجوم أمنةٌ للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنةٌ لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون }.

ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : [[ إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمدٍ صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب الصحابة خير قلوب العباد ، فجعلهم الله وزراء نبيه يقاتلون على دينه ]] .

فهم أبر هذه الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً ، قومٌ اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ، شهدوا الوحي والتنزيل ، وعرفوا التفسير والتأويل ، اختارهم الله لنبيه أصحاباً ، وجعلهم لنا قدوةً وأعلاماً ، فحفظوا عن نبيهم ما بلغهم عن ربهم ، وما سن وما شرع ، وحكم وقضى وندب ، وأمر ونهى وأدب ، وعوه وأتقنوه ، ففقهوا في دين الله وعلموا أمر الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وتلقيهم عنه ، وفهمهم المباشر منه ، فشرفهم عزَّ وجلَّ بما منَّ عليهم وأكرمهم ، إذ جعلهم موضع القدوة فنفى عنهم الشك والكذب ، والغلط والريبة ، وسماهم عدول الأمة وأوساطها بمقتضى قوله سبحانه : (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ))[البقرة:143] ، فهم عدول الأمة وأئمة الهدى، وحجج الدين ، ونقلة الكتاب والسنة ، وحملة الشريعة ، وقد ندب إلى التمسك بهديهم والسير على منهجهم وسلوك سبيلهم فقال سبحانه : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ))[النساء:115] .

أيها المسلم - حفظك الله - اليهود يفاخرون بأصحاب موسى عليه السلام ، ولا يرضون انتقاصهم أو الحط من قدرهم ، والنصارى يفاخرون بأصحاب عيسى عليه السلام حواريه ، ولا يقبلون الغض من شأنهم وانتقاص منازلهم ، وأنت يا تابع محمدٍ صلى الله عليه وسلم أولى بالغيرة على أصحاب نبيك ومعرفة فضلهم وحفظ مكانتهم ! بل إن ربنا جعلهم مثلاً لأهل الكتابين - التوراة والإنجيل - فهم خير الأمم : ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ )) [آل عمران:110] أمر نبيه بمشاورتهم لما علمه من صدقهم ، وصحة إيمانهم ، وخالص مودتهم ، ووفور عقولهم ، ونبالة رأيهم ، وكمال نصحهم : (( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )) [آل عمران:159] رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين .

إن كل خيرٍ فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام والقرآن والعلم ودخول الجنة والنجاة من النار وانتصار الدين وعلو كلمة الله فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة الأكرمون ، الذين بلغوا الدين وأحسنوا في الإتباع ، وكل مؤمنٍ آمن بالله ولرسوله فللصحابة رضي الله عنهم فضلٌ عليه إلى يوم القيامة ، فالقرآن حق ، والنبي حق ، والسنة حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .


الصحابة متفاوتون في الفضل

ومع هذا المقام الرفيع الذي قد بلغوه ، والقدر العالي الذي حازوه ، فإنهم متفاوتون في الفضل ، متمايزون في الدرجات ، بعضهم أرفع من بعض ، ومنازل فئة منهم فوق منازل آخرين من الخلفاء الأربعة الراشدين ، وبقية العشرة المبشرين ، والسابقين الأولين ، وأصحاب بدر ، وأهل بيعة الرضوان : (( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )) [الحديد:10] هذا جانب .


لا ندعي عصمة الصحابة

وجانب آخر : فإنهم مع هذا المقام الرفيع الذي بلغه جميعهم ، والقدر العالي الذي حازوه كلهم ، فإنهم غير معصومين ، فالخطأ عليهم جائز ، والغلط منهم واقع ، غير أن هذا بابٌ له ضوابط ومدخل له مزالق ، فهم تجوز عليهم الذنوب في الجملة الصغائر منها والكبائر، ولكن لهم من السبق في الإسلام، والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونشر العلم ، وتبليغ الدين ، وطمس معالم الشرك وإذلال أهله ، والذب عن حرمات الدين بنفوسٍ زكية وأرواحٍ طاهرة ما يكفر الله به عن سيئاتهم ، ويرفع درجاتهم ، فلقد رضي الله عنهم ورضوا عنه وعفا عنهم .

يقول الذهبي رحمه الله : فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم ، وجهاد محاه ، وعبادة ممحصة ، ولسنا ممن يغلو في أحدٍ منهم ولا يدعي فيهم العصمة ، وما شجر بينهم نسكت عنه ، وهم فيه مجتهدون إما مصيبون فلهم أجران وإما مخطئون فلهم أجرٌ واحد ، والخطأ - بإذن الله وفضله - مغفور ، والثناء عليهم من الله سابق ، وما صدر عنهم من الخطأ والاجتهاد لاحق ، محتمل التأويل ، والمشكوك الموهوم لا يبطل المحقق المعلوم .

ويقول ابن معين رحمه الله : والإمساك عن ذكر الصحابة وذكر زللهم ، ونشر محاسنهم ومناقبهم، وصرف أمورهم إلى أجمل الوجوه من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان الذي مدحهم الله عزَّ وجلَّ بقوله : (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )) [الحشر:10] .

وبعد : فهؤلاء هم صحب محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ فاحفظوا لهم حقهم وتقربوا إلى الله بحبهم ، ورطبوا ألسنتكم بذكر محاسنهم : (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )) [الفتح:29] .



نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم .

 

لتستغفر لذنوبك فيغفر لك باذن الله في دقيقتين

 

 



 

--
لارسال رسالة الى المجموعة على :
alanasr@googlegroups.com
شاركوا معنا في مشروع { حتى نحيي أمة }
 
للمشاركة في منتدى انصار الله
http://alanasr.alldiscussion.net

ليست هناك تعليقات: