بيان علماء الأزهر في شأن إعدام اثنين من علماء السنة
أضيف في :20 - 4 - 2009في يوم من أيام نحسِ الأمة المستمر نعى الناعي إليها شرفها في ذبح رؤوسها وهدم معاهدها في خبرين متتاليين، دون أن تحظى الأمة على تلك الفاجعة بصريخ أو يلحقها منقذ، حتى واجب العزاء لها في مصابها لم تنله من أحد على شناعة الفاجعة وقبح الجريمة.
أما الخبر الأول فكان ما نشر بصحيفة" المصريون" الألكترونية بتاريخ 8/4/2009 م تحت عنوان :
" إيران تعدم اثنين من علماء أهل السنة علناً في زاهدان "
هكذا وعلى رؤوس الأشهاد، الإعدام لعلماء أهل السنة علنا، الأمر الذي لايعامل على مثله أعتى المجرمين إجراما في عالم الجريمة اليوم ،
ذلك لأن للمجرمين من الحقوق ماليس لأعظم الناس شأنا وقدرا ،علماء المسلمين وقادتهم، فإن للمجرمين من يصرخ لهم، ويدافع عنهم،
أما علماء السنة بإيران فلم يتحرك لهم حتى الآن أحد ولو للعزاء، ولماذا العزاء؟
ومن يُعزِّي المعزي إذا أراد في تلك المصيبة العزاء؟!!
ثم أردف الخبر قائلا:
في إطار حملتها على الوجود السني في إيران ،
أقدمت السلطات الإيرانية الأسبوع الماضي على إعدام اثنين من كبار علماء أهل السنة في مدينة "زاهدان" ،
تحت ادعاءات بأنهما يشتركان في أعمال مناهضة للثورة الإيرانية،- وحتى متى ستظل هذه الثورة ثورة -
قالت الصحيفة: وذكرت المصادر الإيرانية أن الرجلين تم إعدامهما علنا أمام جمع كبير من الجمهور، وهو أسلوب تتخذه السلطات الإيرانية وسيلة لإرهاب وتخويف جماعات المعارضة السنية،
خاصة في المناطق التي تقطنها أغلبية من أهل السنة، مثل إقليم بلوشستان وسيستان في محافظة زاهدان، حيث تشهد تلك المناطق عمليات كرٍّ، وفرٍّ ومطاردات من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية لناشطين إسلاميين من أهل السنة،
وأشارت المصادر إلى أن العالمين الراحلين هما مولوي خليل الله زارعي، وحافظ صلاح الدين سيدي .
وأضافت الصحيفة : يذكر أن الأقلية السنية في إيران تعاني من عمليات تهميش سياسي وديني وإعلامي شديدة في إيران، خاصة بعد وصول ثورة الخميني إلى سدة الحكم،
كما تعرضت المراجع الدينية السنية إلى عمليات تصفية واسعة النطاق، استشهد على إثرها المئات من العلماء والمفكرين والمثقفين،
كما غيب الآلاف منهم في السجون لسنوات طويلة ، إضافة إلى اضطرار الكثيرين إلى الهجرة خارج البلاد فرارا من عمليات القمع والملاحقة المتكررة .
المصريون 8/ 4/2009م.
إن هؤلاء المجرمين الذين يفعلون بعلماء أهل السنة الأفاعيل اليوم على تلك الأحوال الشنيعة هم الذين سعى الأزهر من قبل في فكاك رقابهم من سطوة وعسف الشاة حين مهَّد لجريمة التقارب مع الصهاينة المجرمين
وذلك باعتقاله من كان يظن بأنهم كما يزعمون آياتٌ وحجج، يُنْبئ ظاهرهم على باطنهم، وانطلى الزور عليه كما انطلى على غيره فحسبهم علماءَ،
ومع هذا فلم يرض الأزهر الشريف وقتها أن يعامل علماء الشيعة من حكومة الشاة على الحال الذي أتت عليه معاملته لهم في حينها،
والتي لم تتجاوز امر اعتقالهم،و إيداعهم السجون بغيرجريرة ثابتة، وذلك لأن رأي أهل السنة في الشيعة ينطوي على بعض الخير،
ولم نقبل أن تنال عمامة من عمائم الشيعة المنتفخة سوداء أو بيضاء أدني أذى من سلطة الشاة التي كنا نراها أشد ظلما وأقبح خُلُقاً، فأصدر الأزهر الشريف بيانه في شهر صفر 1383هـ الموافق يولية 1663م بتوقيع شيخه الجليل آنئذ الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت وكان تحت هذا العنوان :
قلنا فيه:
من فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت إلى العالم الإسلامي لوقف العدوان على علماء إيران.
ثم قال البيان:
أيها المسلمون: إننا على أبواب فترة من الزمن شغل بعض الناس فيها عن دينهم مظاهر المدنية وزخرف الحياة،بينما شخصت أبصار كثيرة في الشرق والغرب تتلمس الخلاص والنجاة ،وتفتحت قلوب كثيرة على هدي الإسلام ونور الله، إنساقت إليه بفطرة سليمة، أحست الجلال في وقاره،والأمان في رحابه،والقوة في توجيهه،والسداد في إرشاده، والعدالة في تشريعه، ( فطرة الله التي فطر الناس عليها).
في هذه الفترة تتعالى صيحات ويتكرر في وضح النهار اعتداءات، ضحاياها علماء الإسلام في إيران، والمبشرون بدعوة الله، والقائمون على أمر دينه، وليس عليهم من مأخذ إلا أنهم يعلنون كلمة الله.
أيها االمسلمون . إن العمل على إنقاذ المظلوم أمرٌ يحتمه الإسلام ،ويوجبه ،ودفع الضرر عن الناس خلق يأمر به الإسلام ويفرضه، وليس أدعى إلى النجدة من رفع الأذى عن من لحقه دفاعا عن دينه، واستمساكا بواجبه، وتضحية من أجل رسالته.
وعلماء الإسلام في إيران قد تكرر الاعتداء عليهم، ونالت ويلات السجون منهم، وحيل بينهم وبين الأمر بالمعروف الذي يطلبه الإسلام من كل قادر عليه، والنهي عن المنكر من كل مستطيع له،
ولن يكون فضل هذه الدعوة إلا للأمة، ولن يكون خيرها إلا للجماعة،فحياة الأمم بالأخلاق، وعماد الأخلاق دين الله: أحكامه وآدابه، وتشريعاته وإرشاداته، وإن أصحاب التوجيه،وعوامل التأثير هم العلماء في كل أمة،
والأخلاقيون في كل شعب، بدعواتهم وإرشاداتهم تتهيأ للأمة أسباب الارتقاء، ويتحقق للأبناء كمال الحياة.........
وليس من ريب في أن قيام العلماء بواجبهم لن يتحقق إلا بالمحافظة عليهم، واحترام أقدارهم، وإنزالهم منازل الكرماء.
وكيف يستقيم حال أمة تعطلت رسالة العلماء فيها.؟
إذن: لتحطمت القيم، وأهدرت المثل، وضاع في الناس معنى الإنسانية، وكمالها . فما رسالة العلماء إلا الشُحْنةُ الدافعةُ لكل عمل إنساني ووطني على مر الدهور.
وفي تاريخ إيران نفسها خير شاهد على مالعلمائها من فضل يؤثر، وجهد يشكر، وفدائية في سبيل الله والوطن، لاتنسى، ولاتجحد.
–هكذا قلنا وقال البيان- ثم قلنا: أيها المسلمون.
إن الاعتداء على علماء الدين جريمة في حق الأخلاق،ووصمة عار في جبين الأمة، وفي وجه البشرية، ويوم تهون أقدار العلماء لن تكون الكلمة إلا لهوى النفوس الجامحة وقوى الشر المخربة، ونزاعات الفساد المدمرة،( وماذا بعد الحق إلا الضلال).
ثم صرخنا من أجلهم قائلين في بياننا الذي لم يكن وحيدا:
ألا فلينتبه المسلمون في كافة الأقطار، والشعب المسلم في إيران إلى هذا الاعتداء الصارخ، وليعملوا على إنقاذ علماء إيران من طغاة إيران( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار،ومالكم من دون الله من أولياء ثم لاتنصرون).
إنها سابقة لايقدم عليها إلا مُتَحلِّلٌ من دينه،خارجٌ على عقيدته، منكرٌ لما أكده الله عز وجل من حق العلماء( شهد الله أنه لا إلاه إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط) ( إنما يخشى الله من عباده العلماء)..
فأشهدك اللهم أن اعتداء على حملة رسالتك قد وقع، وأن رفع الأذى عن أوليائك فرض في رقاب المؤمنين بك، وأنت نعم المولى ونعم النصير....
محمود شلتوت
شيخ الأزهر
وقد نشر ذلك البيان بمجلة الأزهر الشريف الجزء الثاني،السنة الخامسة والثلاثون- صفر 1383هـ يوليه 1963م.
وكنا مع فضيلته قبل هذا البيان قد أصدرنا البيان الشهير والذي نشر بمجلة الأزهر في شهر صفر 1380هـ يوليو 1960م بالمجلد الثاني والثلاثين ص235. عقب اعتراف شاه إيران بالكيان الصهيوني في الرابع والعشرين من شهر يوليو 1960م نستحثهم بوصفهم علماء للقيام بواجب الأمانة، وكان البيان تحت هذا العنوان الذي نسوقه اليوم بكامله لينذر من كان حيا :
من محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر وإخوانه العلماء بجبهة علماء الأزهر، وممثلي الهيئات والجماعات الإسلامية المجتمعين اليوم في مؤتمر عام بمشيخة الجامع الأزهر.
إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، خاصتهم وعامتهم، حاكميهم ومحكوميهم.
سلام الله ورحمته وبركاته عليكم أجمعين.
أما بعد:
فإن الله تعالى أمر المؤمنين ان يعتصموا بحبله المتين، وهو كتابه العزيز، في ظل الألفة واجتماع الكلمة، وحذرهم التفرق الذي أودى بالأمم من قبلهم، مذكرا إياهم بنعمته عليهم إذ كانوا أعداء فألف بين قلوبهم، فأصبحوا بنعمته إخوانا، وقد قرر هذا الكتاب الكريم في شأن العلاقة بين المؤمنين أنفسهم؛وبينهم وبين غيرهم أمرين قطعيين لا خلاف عليهما بينهم:
أحدهما :ما أثبته الله جل جلاله بقوله: ( إنما المؤمنون إخوة) و قوله (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).
فعليهم بحكم الإيمان رعاية هذا الأساس، وتجنب الإقدام على أي شيء من شأنه أن يوهيه،احتفاظا بما جعله الله خاصة وشعارا لهم.
والثاني: ما نهى الله عنه من اتخاذ الأعداء أولياء،وقد ورد ذلك في كثير من الآيات الكريمة،ومنها قوله تعالى) يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق)
وقوله ( لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم).
وقوله ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فألئك هم الظالمون).
وقد قرر القرآن الكريم في غير آية منه انطواء اليهود على الغدر، والمخاتلة، وابتغاء الفتنة للمؤمنين، وأثبت عداوتهم لهم،
وسوَّى بينهم وبين المشركين في هذه العداوة، حيث يقول )لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا).
ومن هنا يعلم أن اليهود هم ألد الأعداء للمسلمين.
وقد قامت عصابتهم الباغية المسماة" إسرائيل" باغتصاب قطعة عزيزة غالية من الوطن الإسلامي، هي فلسطين الشهيدة، التي شتتوا شمل أهلها، وأخرجوهم من ديارهم،وانتهبوا حقوقهم، فلا يحل لمؤمن أن يوالي هذه العصابة الباغية المحاربة للإسلام وأهله،
ولا يسوغ له أن يقيم معهم أي لون من ألوان العلاقات، لأن ذلك نصرة لهم وتأييد على المسلمين، وتثبيت لأَقْدامهم في البلاد الإسلامية التي اغتصبوها، وشردوا أهلها، وليس للولاية معنى سوى النصرة؛ والتأييد، والتثبيت.
وقد أقدم شاه إيران على الاعتراف بإسرائيل، وهو يعلم هذا كله، ويعلم موقفها من فلسطين، وأنها مازالت تُصَرُّ على اغتصاب حقوق أهلها، رغم ماقررته هيئة الأمم المتحدة نفسها من وجوب رد الحقوق إلى أصحابها،
وإعادة اللاجئين إلى وطنهم، كما يعلم أنها أداة استخدمها الاستعمار لمناوأة المسلمين، ولتدبير المؤامرات، وشن الغارات على بلادهم الآمنة، إقلاقا لهم،
وإضعافا لجهودهم التي يبذلونها في سبيل التحرر، وبناء الوطن، كما يعلم أنها كانت حجر الزاوية في العدوان الذي شنه الاستعمار على مصر في سنة 1956.
في ظل ذلك كله اعترف شاه إيران بإسرائيل ، ورضي بأن يوالي أعداء المسلمين علي المسلمين، وأظهر الأمة الإسلامية بمظهر التفرق والانقسام، وأقدم على أمر من شأنه أن يوهن العزائم، ويحل الروابط، وينزع هيبة المسلمين من صدور أعدائهم.
لذلك يجب عليه وجوبا دينيا أن يبادر بالرجوع عن هذا القرار الخطير، ليفيء إلى أمر الله، وينزل على حكم القرآن.
فإن لم يفعل وجب على المسلمين حيثما كانوا في أدنى الأرض أو أقصاها خاصتهم وعامتهم، وحكامهم ومحكوميهم، أن يُشعروه بسوء مافعل، وبما له من مغبة وخيمة، وبأنهم له مستنكرين.
وأول من يجب عليه ذلك هم شعب إيران عامة، وعلماؤه الكرام خاصة.
ثم قلنا:
وإن للمسلمين لأملا كبيرا في أن يبينوا –نقصد من كنا نحسن الظن فيهم من هؤلاء الآيات- ما أنزل الله من الكتاب والحق ولا يكتموه، وأن يراعوا شجرة الألفة، والقرابة التي اشتركوا في غرسها وإروائها، استجابة لأمر الله، ونزولا على حكم كتابه العزيز.
إنهم إن فعلوا ذلك- وهم إن شاء الله فاعلون- كانوا بأمر الله قائمين، وبالحق صادعين، وبالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين، ولإخوانهم مستجيبين، وعلى البر والتقوى متعاونين.
نسأل الله جل جلاله أن يهب المسلمين من لدنه رحمة، وأن يهيء لهم من أمرهم رشدا، إن الله سميع الدعاء، لطيف لما يشاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
إمضاء
محمود شلتوت
هذا ما كان مِنَّا نحن علماء السنة مع من كان يظن فيهم أنهم من علماء الأمة وهم من الشيعة الذين يفعلون بنا الأفاعيل،
ولايزال رأينا فيهم إلى اليوم ينطوي على بعض الخير، أما رأيهم فينا فلا يظهر منه كل يوم لنا إلا ما هو شر،
وهذا هوالرد الجميل منهم إلينا اليوم،
الرد الذي جعل الناظرين يرونهم معنا كالرجل الذي وجد حيَّة يكاد البردُ يهلكها ويأتي على حياتها، فأخذته الرأفة بها، فانتاشها من ذلك البرد المبيد، وجعلها بين ثوبه وجسده رحمة بها،
فلما وجدت مسَّ الدفء هاج بها السم فلدغته جزاء إنجائها من الموت.
اخبار المختصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق