بسم الله الرحمن الرحيم منهج المحدثين في توثيق الإسناد ونقده . لقد قامت نظرية الإسناد على أساس إتاحة أكبر قدر من عنصر الملاحظة لنقد الخبر والرواية، بحيث ينأى النقد عن مجرد الافتراضات والظنون والأوهام ، ولعل هذا ما يميز منهج المحدثين في النقد عن منهج الغربيين في النقد التاريخي. فإن منهج النقد التاريخي عند الأوروبيين في أساسه منهج استردادي كما قال اندريه لالاند [1]، ومعنى ذلك أنه لا نصيب له من الملاحظة والتجربة، وهذا ما يعترف به لانجلوا و سينوبوس ، فهما يقولان: " والخاصة المميزة للوقائع التاريخية هي أنها لاتدرك مباشرة، بل وفقا لآثارها ، ولهذا فإن المعرفة التاريخية هي بطبيعتها معرفة غير مباشرة، ولهذا السبب ينبغي أن يختلف منهج علم التاريخ اختلافا أساسيا عن منهج العلوم المباشرة وعلم التاريخ مهما قيل فيه ليس علم ملاحظة" [2]. فالمؤرخون الأوروبيون قطعوا الأمل في حصول أي نوع من أنواع الملاحظة المباشرة للواقعة التاريخية، والمحدثون قد أدركوا هذه الاستحالة في الواقع العملي لكنهم حاولوا أن يوفروا مجالا لتحقق نوع من أنواع الملاحظة المباشرة حتى يخرج هذا العلم عن حيز الخرص والأوهام. يقول الأستاذ عثمان موافي:" فمنهج الملاحظة غير المباشرة الذي هو أساس كل بحث تاريخي في عصرنا الحاضر من الصعوبة بمكان أن نصل منه إلى اليقين، بينما المعرفة الإسلامية التي أساسها منهج الملاحظة المباشرة في درجة أقرب إلى العلم واليقين لأنها كما أشرنا ترتد أصلا إلى رؤية حسية مباشرة للظاهرة موضوع البحث والدرس، وهي ليست يقينية تماما وإنما في درجة أقرب إلى اليقين". وقد أشار الأستاذ موافي إلى أن المنهج الإسلامي في رواية الخبر اعتمد التجربة وذلك بالموازنة بين الروايات ومعارضة المكتوب على السماع [3]. لقد كان الإسناد هو المعمل أو المختبر الذي تجري فيه الملاحظة المباشرة ، ليس للواقعة التاريخية ولكن لمن شاهدوا الواقعة التاريخية . يقول مرغليوث : " والمنهج الثاني لضمان الصحة - في تسجيل الأحداث - هو الإسناد ، وهو سلسلة الرواة الذين يمكن تتبع آثار الرواية عن طريقهم إلى شاهد العيان الأصلي" [4]. إن الملاحظة شبه المباشرة التي تولد اليقين نظر لها المحدثون في مناهج نقدهم ، واعتبروا أن الخبر الذي ورد بإسناد صحيح في ميزان نقدهم "يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار" [5]. وجعلوا من الأخبار التي تفيد العلم النظري بالقرائن ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحها مما لم يبلغ حد التواتر ، ومنها المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريبا ، كالحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل مثلا ويشاركه فيه غيره عن الشافعي ويشاركه فيه غيره عن مالك بن أنس، فإنه يفيد العلم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته، وأن فيهم من الصفات اللائقة الموجبة للقبول ما يقوم مقام الكثير من غيرهم [6]. واعتبر المحدثون أن الإسناد الذي ينقده العالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال الرواة المطلع على العلل يفيد العلم بصدق الخبر ويسوغ القطع بوقوعه [7]. لقد عرف منهج النقد التاريخي الأوروبي فكرة الإسناد، لكنه لم يتخيل أصلا إمكانية نقد الخبر عن طريق الإسناد في الواقع العملي . يقول لانجلوا وسينوبوس :" هذا البحث عن المشاهد الأصلي ليس غير معقول من الناحية المنطقية فمجاميع الروايات العربية القديمة تعطي أسانيد الرواية، لكننا في الواقع العملي نفتقر دائما إلى معلومات عن السند تصعد بنا إلى المشاهد الأصلي فتظل المشاهد مجهولة الصاحب". [8] ولا نغالي إذا قلنا إن المنهج الأوروبي تخبط أيضا في آلية الرواية ونقلها عبر الرواة، ففي موضع من كتابهما يعتبر لانجوا وسينوبوس الأحداث التاريخية شديدة التعقيد وأنه من غير المحتمل مطلقا أن يرويها مشاهدان مستقلان بنفس الطريقة" [9]. لكن سينوبوس في رسالة له في النقد التاريخي يبدو أكثر نفهما حين يقول: " فالأقوال إذا اتفقت ، فإن اتفاقها ليس من الممكن عمليا أن يقع إلا لأنها تتفق مع الحقيقة الواقعية" [10]. إن هذا التخبط يعكس حجم المعوقات التي تخيلها المؤرخون الأوربيون حائلة بين المؤرخ وبين الملاحظة المباشرة ، ولقد فطن المحدثون لكل تلك المعوقات وذللوها وهيئوا للنقد مجالا علميا دقيقا وشفافا إلى أبعد الحدود. إذا تبين لنا تفرد منهج النقد عند المحدثين بخصيصة الإسناد الذي جعلهم أقدر على الفحص والملاحظة المباشرة للرواية من غيرهم، نبين هنا مادة الإسناد وما يتكون منه ، ونبين الجهود التوثيقية [11] المصاحبة للرواية منذ صدورها عن صاحبها حتى تدوينها في الكتاب، ثم الجهود التوثيقية الأخرى التي ضمنت المحافظة على الرواية المدونة من الانتحال أو التحريف أو التصحيف. ومن العرض الذي سنقدمه سندرك أن نظرية الإسناد قامت على توفير أكبر قدر ممكن من الدقة في التوثيق الرواية من بداية السند على قسمين : o القسم الأول : توثيق الرواية منذ حدوثها إلى تدوينها. o القسم الثاني: توثيق الرواية منذ تدوينها إلى نشرها وتداولها عن طريق الأوساط العلمية. وينبغي أن يتنبه إلى أن الإسناد كان حاضرا في الحالتين بصفته القالب العلمي الذي تمارس مت خلاله أي عملية توثيقية . القسم الأول: توثيق رواية الواقعة التاريخية منذ حدوثها إلى تدوينها إن عبقرية نظرية الإسناد تكمن في أنها أتاحت للناقد أن يتوغل في الزمان المجرد، ويتدخل بآلته في النقد كأنه طبيب يفحص حالة كل راو لتلك، ويلاحظ بنفسه قدرة كل راو على نقل تلك الرواية "على وجهها". يمكننا تقسيم الإسناد منذ حدوث الرواية إلى تدوينها على ثلاثة أقسام: طرفان ووسط. الطرف الأول: هو بداية السند، أي المشاهد للواقعة وليس بالضرورة أن يكون صحابيا، فإن أي واقعة مروية بالسند يكون المشاهد لها والراوي لتفاصيلها هو طرف السند الأول. الطرف الثاني: وهو المصنف الذي دون الواقعة، ويرويها في كتابه بإسناده إلى الطرف الأول. الوسط: وهي سلسلة الإسناد بين ذينك الطرفين من الرواة الذين شاركوا في نقل الرواية عن بعضهم حتى وصلت عن طريقهم في الطرف الأول إلى الطرف الثاني. لقد اشترط المحدثون شروطا كثيرا لضمان توثيق هذه المراحل، جزء منها متعلق بنظرية الجرح والتعديل وهي الصفات التي يجب توافرها في مادة الإسناد أي الرواة والنقلة لضمان عدم حدوث الخطأ منهم، ولكن حتى يتمكن الناقد من القيام بهذه العملية التوثيقية فإنه يحتاج إلى أن يصل إليه الإسناد بمادته الأصلية دون تحريف، ومن ثم يتاح له إعمال النظر في أحوال الرواة بمقتضى نظرية الجرح والتعديل التي ستأتي بعد هذا الباب. لكن التوثيق الخاص بمادة الإسناد يصطحب الرواية منذ حدوثها إلى تدوينها. وسنعرض على النحو الآتي: أولا: توثيق المشاهد للواقعة (الطرف الأول من الإسناد). استقرت كلمة المحدثين على ضرورة أن يكون المشاهد للواقعة في حالة تسمح له بروايتها دون أي عوائق تؤثر في صحة المشاهدة. وعبروا عن ذلك بضرورة وجود صفة التمييز أي فهم الخطاب ورد الجواب. قال ابن الصلاح بعد أن ذكر خلاف المحدثين في سن التحمل: « والذي ينبغي في ذلك أن يعتبر في كل صغير حاله على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعا عن حالة من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه وإن كان دون خمس سنين، وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين». [12] والتمييز الذي اشترطه المحدثون في مشاهد الواقعة يتناسب طردا مع نوع الحادثة التي شاهدها، فلا يجدي مجرد التمييز في وصف حرب أو معركة أو واقعة معقدة التفاصيل. لذلك أحال المحدثون روايات عبد الله بن عباس للوقائع المكية إلى روايات صحابة أخذ عنهم ابن عباس لأنه لم يكن في سن تتيح له أن يروي ويصف بعض الوقائع المعقدة وهو إذ ذاك بمكة صغير. [13] وهذا الشرط الذي وضعه المحدثون أدق من الأسئلة غير المنطقية التي يضعها لانجلوا وسينوبوس في عملية النقد الباطني السلبي، لأن شرط المحدثين عام، ثم تراعى خصوصيات كل واقعة بما يناسبها، أما أسئلة أصحاب النقد التاريخي فإنها قد تكون عقيمة أو معقدة في بعض الظروف. [14] أما عمليات فحص حالة الراوي المشاهد للواقعة فسيأتي تناولها في نظرية الجرح والتعديل، لكننا نشير ههنا إلى أن الخطأ المحتمل في مشاهدة الواقعة وارد على كل الرواة بما فيهم الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا أمر منفصل عن قضية عدالة الصحابة. ثانيا: توثيق نقل الرواية عبر طبقات السند. تعتبر هذه المرحلة من أكثر المراحل صعوبة وتعقيدا، لأنها تتناول كل طبقات السند حتى يتم تدوين الرواية، والمطلوب تحصيل أعلى قدر ممكن من الدقة والأمانة في نقل الرواية عبر طبقات السند. ويلاحظ أن التوثيق ينصب على الإسناد بالدرجة الأولى، أما الرواية نفسها أو الواقعة أو المتن (كما يسميه المحدثون) فهي تابعة للسند، لذلك كان الحرص على توصيل الإسناد بكامل الفنيات التي مارسها الرواة في التوثيق لتصل للناقد دون تحريف. وفي سبيل ذلك حرر المحدثون كيفيات نقل الرواية وبينوا الصفة المعتبرة منها وغير المعتبرة. وحاصل كيفيات الرواية تعود إلى طريقتين: الطريقة الأولى: الأخذ المباشر بين الرواة، بمعنى سماع الرواية على وجه التحقيق بالمشافهة بينهم وتتفرع إلى طريقتين أيضا: الأولى: سماع التلميذ لفظ شيخه، سواء كان إملاء من الشيخ أو بدون إملاء. [15] وسواء كان من كتاب الشيخ أو من حفظه. وهذه الطريقة هي أرفع الأقسام وأعلاها عند المحدثين. واصطلحوا لهذه الطريقة ألفاظا خاصة تدل عليها مثل: سمعت وسمعنا وحدثني وحدثنا واخبرني واخبرنا [16] وأنبأني وأنبأنا. [17] وهم تفريق بين ما يسمع في وقت التعليم والرواية المعتبرة وبين ما يسمع في وقت المذاكرة أي المباحثة، واستحبوا التمييز باصطلاح معين. [18] الثانية: القراءة على الشيخ ويسميها أكثر المحدثين "عرضا" سواء قرأ التلميذ بنفسه على الشيخ أو قرأ غيره وهو يسمع من كتاب أو من حفظ سواء حفظ الشيخ أم لم يحفظ، غير أنهم اشترطوا إذا لم يكن الشيخ حافظا أن تكون القراءة عليه من كتاب ويكون الكتاب بيد موثوق به، إلا لم تعتبر الرواية. [19] وللمحدثين تدقيقات في هذا الباب تدل على كمال الإتقان، فمن ذلك أنه إذ كثر التلاميذ واحتج الشيخ إلى مستمل ليسمع من بعد فإن التلميذ لا يجوز له أن يروي الكلام عن شيخه إذا سمعه من المستملي، وألزمه النقاد أن يبين ما هو من سماعه من الشيخ وما هو من سماعه من المستملي. [20] والعجيب أن هذا التيقظ والإتقان كان موجودا منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، ففي صحيح البخاري [21] عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون اثنا عشر أميرا» فقال كلمة لم أسمعها، فسألت أبي، فقال: « كلهم من قريش» فقد بين جابر ما كان سماعه وما كان من سماع غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم. الطريقة الثانية: الأخذ بغير طريق المشافهة. مثل الإجازة بالرواية على أنواعها [22]، والمناولة [23]، والكتابة [24]، والإعلام [25]، والوصية [26]، والوجادة [27]. ولقد تناول المحدثون قضية التحمل والداء، والدقة في تبليغ صيغهما لأجل نقل الإسناد بحاله إلى التاقد حتى يتهيأ له أكبر قدر من الملاحظة المباشرة، مع أن الفارق بينهما ضعيف، ومن قبله منعوا منعا جازما استبدال "حدثنا" بـ "عن"، لأن ذلك يؤثر فيما لو كان الراوي مدلسا. [28] ولقد كانت هذه السلسلة من الاحتياطات الدقيقة جزءا من عمليات التوثيق المتعاقبة، والتي تحتف بالرواية منذ حدوثها حتى تدوينها وتداولها. وهذا كله تمهيد لعملية النقد التي سيجريها الناقد من خلال آليات أخرى أكثر تعقيدا وسنتعرض لها في محلها من نظريتي: الجرح والتعديل، والعلل. فإذا دونت الرواية في كتاب واستقر نقل تلك الرواية عن طريق الكتاب، فإن المحدثين جعلوا للنقل والرواية حينئذ آلية توثيقية أخرى، هي القسم الثاني من عمليات التوثيق التي تستمر في سلسلة الإسناد حتى منتهاه. القسم الثاني : توثيق الرواية منذ تدوينها إلى نشرها وتداولها عن طريق الأوساط العلمية. تمر هذه العملية بمرحلتين : المرحلة الأولى: ضبط مادة الكتاب (الوثيق) عن طريق إتقان كتابة محتوياتها ومقابلتها على النسخ الصحيحة المعتمدة. المرحلة الثانية: المحافظة على تداول الكتاب رسميا عن طريق سماعه كله أو بعضه أو التنصيص عليه في الإجازات [29]. المرحلة الأولى: ضبط مادة الكتاب إن الفنيات التي ابتكرها المحدثون لكتابة المحدثون لكتابة المصنفات ونسخها نعطيهم سبقا تاريخيا يقينيا في ابتكار قواعد الكتابة والإملاء [30] . ولم يكن هذا الأمر مجرد هواية، بل تقليدا عميا منصوصا عليه- بتفاصيله- في مؤلفات القوم [31]. يقول ابن الصلاح:"ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبط ما يكتبونه أو يحصلونه بخط الغير من مروياتهم على الوجه الذي رووه شكلا ونقطا يؤمن معهما الالتباس، وكثيرا ما يتهاون بذلك الواثق بذهنه وتيقظه، وذلك وخيم العاقبة، فإن الإنسان معرض للنسيان، وأول ناس أول الناس، وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه، وشكله يمنع من إشكاله" [32]. ويفيد هنا أن نذكر بعض تلك التفصيلات الفنية التي نص عليها المحدثون ليتبين لنا مستوى التوثيق في هذه المرحلة [33]. يقول ابن الصلاح [34]: وهذا بيان أمور مفيدة في ضبط الكتاب: أحدهما: ينبغي أن يكون اعتناؤه من بين ما يلتبس بضبط الملتبس من أسماء الناس أكثر، فإنها لا تستدرك بالمعنى ولا يستدل عليها بما قبل وبعد. الثاني: يستحب في الألفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها، بأن يضبطها في متن الكتاب ثم قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة، فإن ذلك أبلغ في إنابتها وأبعد من التباسها. الثالث: يكره الخط الدقيق من غير عذر يقتضيه، والعذر في ذلك مثل أن لا يجد في الورق سعة أو يكون رحالا يحتاج إلى تدقيق الخط ليخف عليه محمل كتابه ونحو هذا. الرابع: يختار له في خطه التحقيق( التأني في الكتابة) دون المشق( السرعة في الكتابة). الخامس: كما تضبط الحروف المعجمة بالنقط كذلك ينبغي أن تضبط المهملات غير المعجمة بعلامة الإهمال لتدل على عدم إعجامها. السادس : ينبغي أن يصطلح مع نفسه كتابه بما لا يفهمه غيره فبوقع غيره في حيرة، كفعل من يجمع في كتابه بين روايات مختلفة ويرمز إلى رواية كل راو بحرف واحد من اسمه أو حرفين وما أشبه ذلك. السابع: ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة تفصل بينهما وتميز. الثامن: يكره له في مثل "عبد الله بن فلان بن فلان" أن يكتب "عبد" في آخر سطر والباقي في أول السطر، وكذلك في سائر الأسماء المشتملة على التعبيد لله تعالى . التاسع: المختار في كيفية تخريج الساقط في الحواشي – ويسمى اللحق بفتح الحاء – أن يخط من موضع سقوطه من السطر خطا صاعدا إلى فوق ثم يعطفه بين السطرين عطفه يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق، ويبدأ في الحاشية بكتابة اللحق مقابل للخط المنعطف وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين، وإن كانت تلي وسط الورقة إن اتسعت له فليكتبه صاعدا إلى أعلى الورقة لا نازلا به إلى أسفل . العاشر: من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب أو التمريض . أما التصحيح فهو كتابة " صح " على الكلام أو عنده، ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير انه عرضة للشك أو الخلاف فيكتب عليه " صح " ليعرف انه لم يغفل عته ، وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه. وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل غير انه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص، مثل أن يكون غير جائز من حيث العربية أو يكون شاذا عند أهلها يأباه أكثرهم أو مصحفا، أو ينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر وما أشبه ذلك، فيمد – على ما هذا سبيله – خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها كيلا يظن ضربا، وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة الرواية وغيرها وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح، وكتب حرف ناقص على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته وتنبيها بذلك لمن ينظر في كتابه على انه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه، ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحا أو يظهر له، بعد ذلك في صحته ما لم يظهر له الآن، ولو غير ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضا لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين الذين غيروا وظهر الصواب فيما أنكروه والفساد فيما أصلحوه [35]. الحادي عشر: إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه بنفي عنه بالضرب أو الحك أو المحو، أو غير ذلك، والضرب خير من الحك والمحو، وقد اعتبر المحدثون الحك تهمة. الثاني عشر: ليكن فيما تختلف فيه الروايات قائما بضبط ما تختلف فيه في كتابه جيد التمييز بينها كيلا تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها. وسبيله أن يجعل أولا متن كتابه على رواية خاصة ثم ما كانت من زيادة لرواية أخرى ألحقها، أو من نقص اعلم عليه، أو من خلاف كتبه إما في الحاشية و إما غيرها معينا في كل ذلك من رواه ذاكرا اسمه بتمامه، فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه أن يبين المراد بذلك في أول كتابه أو في آخره كيلا يطول عهده به فينسى أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة وعمى" [36] . العرض والمقابلة: ثم تأتى خطوة مهمة في هذه المرحلة من ضبط الكتاب وهي خطوة عرضه على اصل صحيح ونسخة معتمدة . يقول ابن الصلاح [37]: على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه الذي يرويه عنه وإن كان إجازة، روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال لابنه هشام: كتبت ؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ قال : لا، قال: لم تكتب. ثم إن أفضل المعرضة أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ في حال تحديثه إياه من كتابه لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط والإتقان من الجانبين… والصحيح انه لا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه مقابله نسخته بأصل الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه، وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة بأصل شيخه : أصل السماع، وكذلك إذا قابل بأصل أصل الشيخ المقابل به أصل الشيخ لأن الغرض المطلوب أن يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل سماعه وكتاب شيخه، فسواء حصل له ذلك بواسطة أو بغير واسطة. ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة وليقابل نسخته بالأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له، لكن هذا من طريقة أهل التشديد التي لم تستخدم في العصور المتأخرة [38]. أما إذا لم يعارض كتابه بالأصل أصلا فلا يجوز رواية الكتاب إلا بثلاثة شروط: • الشرط الأول: أن تكون نسخته نقلت من الأصل . • الشرط الثاني: أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط [39]. • الشرط الثالث :ثم إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلى شئ من النسخ أو يثبته فيها عند السماع ابتداء إلا بعد المقابلة المرضية بالمسموع كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير المقابلة إلا أن يبين مع النقل وعنده كون النسخة غير مقابلة. وبعد هذه العملية التوثيقية تأتي مرحلة أكثر دقة ومشقة وهي سماع الكتاب على الشيخ إما بالقراء عليه أو السماع من لفظه أو من لفظ من يقرأ عليه [40]. السماع لقد جرت سنة المحدثين السلف أن يتلقوا الحديث عن شيوخهم سماعا بالإسناد المتصل من شيوخهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لما ألفت الكتب – طبعا – أسانيد من طريق شيوخه أيضا تصله بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيتم لهم اتصال السند بالنبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المنوال. وهذه السنة أو الطريقة في تلقي الحديث الشريف وكتبه بالسند لا تكاد تتخلف عن كتاب من كتب السنة المطهرة، صغر ذلك الكتاب فجاء في صفحات معدودة أو كبر فجاء في مجلدات ضخام تبلغ العشرة أو العشرين أو تنقص قليلا أو تزيد قليلا. فالأجزاء الحديثية – وهي ما يبلغ الواحد منها تقديرا نحو عشرين صفحة أو أكثر أو أقل – والكتب الحديثية – وهي ما يبلغ الواحد منها المجلد أو المجلدات الكثيرة – كلها تتجلى بإسناد سماعها من مؤلفها أو ممن روى عن مؤلفها من قرب أو بعد، فتكون تامة الصلة بين مؤلفها وراويها أو رواتها عنه، بشكل مطمئن إلى صحة نسبتها ونقلها وتلقيها وضبطها. [41] ومن المهم أن ننقل هنا نموذجا من تلك السماعات التي تبين مستوى ما وصل إليه جهود المحدثين في توثيق النصوص وحفظها من الانتحال والتحريف. سماع سنن البيهقي. سنن البيهقي.. هذا الكتاب العظيم، والديوان الحديثي الفقهي الاستدلالي الحافل الضخم الكبير النادر المثال، يأتي في حوالي عشرة مجلدات ضخام، هذا الكتاب الضخم الفخم حظي بعناية الحافظ ابن الصلاح وقراءته وسماعه منه من أوله إلى آخره في 757 مجلس، وسمع المجلد الثامن منه عدد كبير: 93 محدثا في 90 مجلسا في مدينة دمشق في دار الحديث الأشرفية، التي بناها الملك الأشرف رحمه الله تعالى، وكان الحافظ ابن الصلاح أول من درس الحديث فيها. وقد حفظت سماعات سنن البيهقي على الحافظ ابن الصلاح بل وطبعت [42]، ويمكننا أن نلاحظ فيها ما يلي: 1. الضبط لعدد مجالس السماع. 2. تعيينها بخط الشيخ ابن الصلاح المقروءة عليه كالشهادة منه بذلك. 3. ذكر السامعين منه بألقابهم وكناهم وأسمائهم وأنسابهم تعريفا بهم. 4. ضبط أحوال السامعين: من سمع المجالس كلها بغير فوات، ومن سمعها بفوات، ومن سمعها مع نوم في بعضها أو إغفاء أحيانا، ومن سمعها وهو يتحدث خلال السماع، ومن سمعها وهو ينسخ خلال ذلك، ومن سمع وقد جمع كل ذلك وتعيين حال كل واحد منهم. 5. تاريخ الفراغ من إسماع الشيخ ابن الصلاح هذا المجلد. 6. تعيين المكان الذي أسمع فيه هذا الكتاب. 7. تعيين اسم كاتب السماع ومثبت السماع وذكره أن محضر السماع المكتوب هو بخطه. [43] مؤلفات خاصة بكيفية السماع: هذا وتجدر الإشارة إلى أن المحدثين أولوا قضية الرواية بالسماع أهمية قصوى واعتبروها من أهم وسائل توثيق الروايات لأنها سبيل حفظ النقل – الذي الإسناد آلته – من التحريف والتصحيف والانتحال. لذلك ألف فيه العلماء على مدى القرون، واهتموا ببيان كل ما له علاقة بحفظ السماع والرواية من شائبة الخطأ. ومن أهم من أفرد هذه المسألة بالتصنيف: 1. القاضي الحسن بن عبد الرحمان الرامهرمزي (ت 360هـ) حيث ألف كتابه: "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" ويعتبر من أقدم ما ألف في مصطلح الحديث. 2. الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي (ت 463هـ) حيث ألف كتابه: "الكفاية في علم الرواية" وكتابا آخر سماه "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع". 3. القاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت 544هـ) حيث ألف كتابه: "الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع". والملاحظ على المصنفات المذكورة الاهتمام بفنيات الرواية أكثر من الاهتمام بالنقد العلمي الحديثي، إن كانت مادة الكفاية للخطيب البغدادي أخذت من جانب الدراية (النقد) بنصيب لا بأس به، إلا أن اسم الكتاب مبني باتجاه التأليف فيه. وقد صنف العلماء بمصنفات الخطيب في علوم الحديث، قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: "ولا شبهة عند كل لبيب أن المتأخرين من أصحاب الحديث عيال على أبي بكر الخطيب. ونورد ههنا بعض الاصطلاحات الفنية التي ابتكرها المحدثون لدرء خطر الانتحال والتزييف [44]. الرواية على الوجه: والمقصود بذلك تحمل الرواية وأداؤها كاملة دون انتخاب أو اختبار . وهو مأخوذ من قوله تعالى: " أن يأتوا بالشهادة على وجهها" [45] أي كاملة دون انتقاص. وهو اصطلاح استخدمه المحدثون للدلالة على إتقان الراوي إذا كان دقيقا في حفظ ورواية مروياته [46]. قال الخطيب البغدادي في كتابه: " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" [47]: " باب: القول في انتقاء الحديث وانتخابه لمن عجز عن كتبه على الوجه واستيعابه.. ثم أورد بعض الآثار عن المحدثين وعلق قائلا: إذا كان المحدث مكثرا وفي الرواية متعسرا [48] فينبغي للطالب ان ينتقي حديثه وينتخبه، فيكتب عنه ما لا يجده عند غيره ويتجنب المعاد من رواياته، وهذا حكم الواردين من الغرباء الذين لايمكنهم طول الإقامة والثواء، وأما من لم يتميز للطالب معاد حديثه من غيره وما يشارك في روايته فلأولى أن يكتب حديثه على الاستيعاب ( أي على الوجه كما بوب) دون الانتقاء والانتخاب". وفي كتاب المجروحين لابن حبان عن يحيى بن معين حين سئل عن سماعه لكتب حماد بن سلمة فقال:" سمعتها على الوجه من سبعة عشر نفسا" [49]. الطباق [50] وهي الشهادة الخطية التي يثبتها الشيخ – الذي سمع عليه الكتاب- أو من ينوب مكانه في إثبات السماع ثم يوقع الشيخ على ذلك [51]. وتثبت هذه الشهادة في أول النسخة المسموعة على الشيخ [52]، ويبين فيها أسماء من حضر السماع ومن غاب ومقدار الفوات في حق من حضر أو غاب، ويذكر مكان السماع وعدد مجالسه وتاريخ كل كما مثلنا في سماع سنن البيهقي على ابن الصلاح. ويحفظ هذا الطباق مع النسخة المسموعة في خزانة المدرسة التي سمع فيها الكتاب، ولم يكن ذلك تقليدا رسميا في كل مدرسة لكنه انتشر في القرون المتأخرة فيما أظن، وقد كان ينشط بعض المجتهدين من طلبة العلم في كتب الطباق في نسخته مبنيا سماع من حظر ومن غاب، وكان هذا الطباق بمثابة الشهادات الدراسية الرسمية، بحيث يجب على من حاز الطباق أن يبذل النسخة المسموعة المضبوطة لمن حضر السماع وورد اسمه في الطباق. وبلغت أهمية الطباق أن من كان يمنع هذا الإثبات يلجأ إلى القضاء لينتزع له حقه في نسخ الكتاب المسموع. [53] فمن ذلك أن رجلا قدم رجلا إلى إسماعيل بن إسحاق القاضي، فادعى عليه أن له سماعا في الحديث في كتابه وأنه قد أبى أن يعيره، فسأل إسماعيل المدعى عليه، فصدقه وقال: له في كتابي سماع ولست أعيره، فأطرق إسماعيل مليا، ثم رفع رأسه إلى المدعى عليه، فقال له: عافاك الله، إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره، وإن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره، وإن كان سماعه في كتابك بخط غيرك فأنت أعلم. قال: سماعه في كتابي. بخطي ولكنه يبطئ برده علي، فقال: أخوك في الدين، أحب أن تعيره، وأقبل على الرجل فقال: إذا أعارك شيئا فلا تبطئ به. [54] قال الأستاذ أبوغدة: ويتجلى للقارئ من هذه الوقائع والأقضية قيمة ( السماع) العلمية ، فغن السماع شهادة صادقة تمثل الكلمة العلمية المنقولة توثيقا وتحقيقا وقهما وضبطا وتحملا و أداء وإذا كانت الأسانيد انساب الكتب فالسماعات هي البينات الناطقة وشهادات العدول الثقات لها، فلذا كان الحرص عليها شديدا، وتدخل القضاء في الحكم فيها كما علمت [55]. كيفية كتابة الطباق في مقدمة ابن الصلاح:" ذكر الخطيب الحافظ أنه ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه، قال: وإذا كتب الكتاب المسموع فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ وقت السماع، وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلا قد فعله شيوخنا [56] . ثم يعقب ابن الصلاح قائل: كتبة التسميع جنب ذكره أحوط له وأحرى بأن لا يخفى على من يحتاج إليه، ولا بأس بكتبته آخر الكتاب وفي ظهره وحيث لا يخفى موضعه، وينبغي أن يكون التسميع بخط [57] شخص موثوق به غير مجهول الخط ولا ضير حينئذ في ألا يكتب الشيخ المسمع خطه بالتصحيح. وهكذا لا بأس على صاحب الكتاب إذا كان موثوقا به أن يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه، فطال ما فعل الثقات ذلك [58] . قال السيوطي:وينبغي لكتاب الطباق أن يكتب إجازة الشيخ عقب كتابة السماع، وذلك لاحتمال وقوع شئ من الانشغال من المستمعين أو العجلة أو الهيمنة فينجبر بذلك( أي ينجبر النقص في السماع بالإجازة فيسوغ أن يروي الكتاب بعدئذ) [59] . قال ابن الصلاح :" ثم إن على كاتب التسميع التحري والاحتياط وبيان السامع والمسموع منه بلفظ غير محتمل، ومجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه، والحذر من إسقاط اسم واحد منهم لغرض فاسد. فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه لكن أثبته معتمدا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه فلا بأس بذلك إن شاء الله" [60]. أي يجوز لكتاب الطباق أن يعتمد على إخبار الثقات بحضور البعض ليثبت أسماءهم في الطباق. منهج المحدثين في نقد الإسناد: قد آل بنا البحث إلى ضرورة معرفة منهج المحدثين في نقد الإسناد وما هي قواعدهم وأصولهم في هذا المضمار؟ وسبق أن عرفنا في ضوء عرض نظرية الإسناد عند المحدثين أن النقد قد وجدله مجال يمكن أن يمارس فيه على أساس يشبه الملاحظة والتجربة، وقد احتف بذلك جملة من القواعد العملية في الجرح والتعديل والعلل (يأتي الكلام عليها)… كل ذلك صاغه المحدثون في سياق منظومة واضحة للنقد العلمي. لكننا نجتزئ هنا ما له علاقة مباشرة بالإسناد الفرد، وذلك أن منهج النقد عند المحدثين يتدرج من البسيط إلى المركب على نسق تصاعدي. ثم نعرج بعد ذلك على منهجهم في دراسة الأسانيد المتعددة أو المركبة لنصل إلى فهم تلك المنظومة من النقد العلمي للإسناد عند المحدثين. وقد نص المحدثون على شروط السند الصحيح الذي يعتبر من المقبول في حيز الاحتجاج. فاشترطوا له شروطا تتعلق بسلامة ظاهر السند من القوادح الواضحة، وهي: 1. أن يكون السند متصلا بين رواته. 2. أن يرويه العدول الذين لا قدح في ديانتهم والضابطون الذين لا قدح في حفظهم. وشرطان لبلوغه درجة الصحة التامة ومرتبة صلاحية الاحتجاج به، وهو من أدق شروطهم في هذا الباب. وهو: أن يكون سالما من الشذوذ والعلة. [61] وعلى ضوء هذه الشروط انبنى نقد المحدثين للأسانيد، حيث اعتبروا الصفات التي تقدح في ظاهر الإسناد إما أن ترجع إلى اتصال السند أو إلى اختلال في عدالة الرواة وضبطهم. وسنتحدث إن شاء الله عن منهجهم في معرفة عدالة الرواة وضبطهم عند الكلام عن نظرية الجرح والتعديل. أما الآن فنبسط الكلام في الصفات التي تقدح في شرط سلامة ظاهر الإسناد، وهو سقط الرواة. [62] والسقط الذي يطرأ على السند أخذ صورا متعددة يمكن حصرها في صورتين: الأولى: السقط الواضح ويشتمل الصور الآتية: 1. الإسناد المنقطع. 2. الإسناد المعضل. 3. الإسناد المرسل. 4. الإسناد المعلق. الثانية السقط الخلفي ويشتمل: • الإرسال الخفي. • المدلس. وتأتي قوادح أخرى في السند لكنها لا تعرف في السند الواحد بمفرده بل عن طريق الموازنة بين الأسانيد، ومن صور تلك القوادح: 1. الشذوذ والنكارة والعلة، وسيأتي الكلام فيها عند مباحث نظرية العلم. 2. الزيادة في الأسانيد والاضطراب والإدراج والقلب. وسيأتي الكلام فيها عند الكلام عن منهج المحدثين في نقد ودراسة الأسانيد المتعددة. أما القوادح الظاهرة [63] المتعلقة بالسقط في الإسناد المفرد فهي ما يلي: 1. الانقطاع: وهو سقط راو واحد في السند بحيث يظهر أن أحد الرواة لا يعاصر من فوقه بحال. 2. الإعضال: وهو سقط راويين في السند على التوالي. 3. الإرسال: وهو سقوط الصحابي بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم. 4. التعليق: وهو سقوط راو أو أكثر من بداية السند خاصة. كيفية معرفة السقط الظاهر في الإسناد استعان المحدثون منذ وقت مبكر بمعرفة تواريخ المواليد والوفيات لكل راو، فما من راو إلا وقد ذكروا ذلك في ترجمته – إلا القليل النادر جدا – فاستخدموا هذا التاريخ في كشف الاتصال بين الرواة. يقول السيوطي: " هو فن به يعرف اتصال الحديث وانقطاعه، وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنظر في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين.. سأل الحاكم محمد ابن حاتم الكسي عن مولده لما حدث عن عبد ابن حميد، فقال: سنة ستين ومائتين، فقال: هذا سمع من عبد بعد موته بثلاث عشرة سنة." قال حفص بن غياث القاضي: إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين يعني سنه وسن من كتب عنه. وقال سفيان الثوري: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ. وقال: حسان بن يزيد: لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ، نقول للشيخ: سنة كم ولدت؟ فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه. [64] تتبع الأسانيد لمعرفة الأخطاء وعن طريقة التتبع للطرق والمعرفة التامة بالأسانيد وعللها استطاع النقاد من المحدثين معرفة القوادح الأخرى مثل: 1- الإرسال الخفي: وهو الانقطاع ما بين الراويين مع ثبوت المعاصرة كل منهما للآخر لعدم السماع مع ثبوت اللقاء، أو لعدم سماع ذلك الخبر بعينه مع سماع غيره. وطريق معرفة ذلك: أ- إما بنص الأئمة عليه. ب- بإخبار الراوي عن نفسه. ج- لمجيئه من وجه آخر بزيادة شخص في السند. [65] وقد يأتي إسناد على العكس من الإسناد الذي فيه إرسال خفي وهو أن يأتي بزيادة في طبقة من طبقات السند، فقد تكون هذه الزيادة وهما من أحد الرواة فيبين النقاد ذلك. [66] وقد يشتبه الأمر على من لا اضطلاع له بين الإرسال الخفي الذي هو نقص في الإسناد وبين المزيد في الأسانيد لأنه ربما كان الحكم للزائد وربما كان للناقص والزائد وهم، ولا يدرك ذلك إلا النقاد. [67] 2- التدليس: هو أن يروي الراوي عمن سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه، قال أبو الحسن القطان: والفرق بينه وبين الإرسال الخفي أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه. ويستخدم الراوي المداس لفظا لا يقتضي التصريح بالسماع نحو: "عن" أو" أن فلانا قال". والذي استقر عليه منهج المحدثين في النقد أن المدلس إذا كان ثقة فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فحكمه حكم المرسل، وما بينه كسمعت وحدثنا وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به [68] ولا بد في هذا الباب أيضا من تتبع الأسانيد والطرق لأنه قد يصرح المدلس الثقة بالسماع في طريق ولا يصرح به في آخر فالاكتفاء بالطريق الواحد في الحكم على المدلس لا يكفي. [69] 3-الاضطراب: وهو الذي يروي على أوجه مختلفة من راو واحد مرتين أو أكثر أو من راويين أو رواة مع التساوي حيث لا مرجح. فإن رجحت إحدى الروايات بحفظ راويها أو كثرة صحبته أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالحكم للرواية الراجحة ولا يكون الحديث مضطربا. [70] وسبيل معرفة ذلك أيضا هو جمع الطرق والموازنة بينها. 4-الإدراج: وهو أن يذكر الراوي كلاما لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلا بالحديث من غير فصل فيتوهم أنه من تتمة الحديث. ويدرك ذلك بوروده منفصلا في رواية أخرى أو بالتنصيص على ذلك من الرواية أو بعض الأئمة المضطلعين أو باستحالة كونه صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. وقد يكون الإدراج في السند أيضا. 5-والإدراج كله حرام، قال السمعاني: "من تعمد الإدراج فهو ساقط العدالة وممن يحرف الكلمة عن مواضعه وهو ملحق بالكذابين" [71]. 6-القلب:وهو أن يكون الحديث مشهورا براو فيجعل مكانه أخرا في طبقته وقد يقع القلب في المتن أيضا بتبديل جملة مكان أخرى. وقد يقع القلب قصدا ويسميه المحدثون سرقة الحديث، وقد يقع غلطا، وعلى الاحتمالين فهو خطأ بقدح في الحديث، وقد أفرغ المحدثون جهدهم في تتبع ذلك عن طريق التفتيش في الأسانيد و الطرق . [72] وبقي من القوادح:الشذوذ و العلة و النكارة و سنفردها بالحديث إن شاء الله في نظرية العلة. ونشير هنا إلى أن تتبع الأسانيد والطرق ليس مقصودا لذاته،ولاكن بقصد الموازنة بينها والمقابلة بين أفرادها لتلمس وجه الخطأ فيها وسنتعرض لتفصيل ذلك عند الفصل الخاص بمرتكزات المركز إن شاء الله تعالى. الحديث المرسل و موقف المحدثين منه [73] لقد كان الحديث المرسل من أكثر الإشكاليات تعقيدا في نظرية الإسناد، ولم أقف حتى الآن على دراسة تفسير وجود المرسل أو جنوح البعض للاحتجاج به مع استقرار نظرية الإسناد في وسط المحدثين. وسنحاول من خلال هذا المبحث أن نتعقب نشأة الحديث المرسل وقضية الاحتجاج به لنحاول معالجة هذه الإشكالية في ضوء منهج النقد عند المحدثين. لقد علمنا أن الإسناد نشأ مع انتشار النصوص الشرعية في عهد النبوة ووجدت النصوص التي تحصن على تبني مفهوم نظرية الإسناد. لكن اعتماد التنصيص على رجال السند أمر لم يستقر في العهد المبكر لنشوء نظرية الإسناد، فكان الإسناد موجودا على الحقيقة ولكن في مقام الرواية كان يحدث بعض التساهل في ذكر السند. وأساس ذلك أن الرعيل الأول لم يعرف الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل احتاط من ذلك اشد الحيطة وخاف منه أشد الخوف حتى إنهم أقلوا من الرواية حذرا من الوقوع في الخطأ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله بن الزبير لأبيه ( الزبير بن العوام ): إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان ، قال : أما وإني لم أفارقه، ولكني سمعته يقول : "من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار" [74]. وقال ابن أبي ليلى : كنا إذا أتينا زيد بن أرقم، فنقول : حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: " إنا قد كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد". [75] وقال شُرَحْبيل بن السمط لكعب :" يا كعب ابن مرة حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذر". [76] وكان عمران ابن الحصين يتجنب التحدث كثيرا لئلا يقع في الخطأ [77]. وكان بعضهم يثق في رواية بعض، وعولوا على رواية من كان يحضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان لا يحضر انشغالا بجهاد أو معاش أو نحو ذلك. قال البَراء بن عازب:" ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ، فيحدث الشاهد الغائب" [78]. وهذه الثقة في عدم وجود من يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلتهم يحدثون عن الوسائط ثم يرفعون الحديث دون ذكر هذه الوسائط لأنه تحصيل الحاصل.قال انس ابن مالك :" ليس كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه ولكن حدثنا أصحابنا، ونحن قوم لا يكذب بعضهم بعضا" [79] وليس معنى هذا أن كل ما حدثوه كان عن وسائط فهذا مستحيل يمنعه استقراء بسيط لصيغ التحمل التي استخدموها مثل قولهم سمعت رسول الله ، رأيت رسول الله، سألت رسول الله، ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكن هذا لا يمنع أن للصحابة مراسيل اسقطوا فيها الوسائط، ولم تكن تلك الوسائط إلا صحابة أيضا – لأنه يبعد أن يروي صحابي فيها حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – ولذلك أجمع نقاد الحديث على قبول مراسيل الصحابة لاحتجاج بها، ومنع الاحتجاج بمراسيل الصحابة قول مرذول قالت به شرذمة لا تنتمي إلى المحدثين فلا يعتد بمخالفتهم في استقراء منهج المحدثين [80]. فلما جاء عصر التابعين جروا على هذا المنهج في الوثوق بصحابة رسول الله صلى الله عليه ، وكان ذلك بصورة قليلة ومن بعض التابعين- كبارهم على الخصوص- وليس جميعهم. فلما وقعت الفتن في أواخر عهد الصحابة وبداية انقراض وجودهم وابتدأ ظهور الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف التابعون جميعا وقف حازمة من قضية الإرسال وإسقاط الواسطة وابتدأ التنصيص على رجال السند جميعا كأنه واجب يقتضيه تبليغ الحديث نفسه [81] . ولكن عجزوا عن تداول ما حدثوا به من قبل على صفة الإرسال فمنهم من صار ينص على الصحابي الذي كان يسقطه ومنهم من كان يشك هل سمعه من صحابي أو غيره صحابي فيسكت عما أرسله قديما [82] فبقيت روايته المرسلة متداولة على إرسالها، ومن أسند شاعت روايته المرسلة المسندة، ومن التابعين من كان يثق في من يروي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا وإن لم يكن صحابيا فلما حدثت الفتن ارتابوا فيما رووه عن المجاهيل فلم يعودوا لرواية ما سمعوه عنهم لكن كانت مراسيلهم تلك قد انتشرت أيضا [83]. وعلى هذا يمكننا تقسيم أنواع المراسيل من حيث رجوع أصحابها عن روايتها على صورة الإرسال إلى ثلاثة أقسام : الأول : مراسيل من كان لا يرسل إلا عن صحابي ، فكان يرسل تارة ويسند تارة ، فلما حدثت الفتن وظهر الكذب امتنع عن الإرسال ولم يحدث إلا بالمسند، وعلى هذا تحمل مراسيل سعيد ابن المسيب ، فإنه لم يكن يحتاج إلى الرواية عن التابعين وقد لقي العشرة المبشرين بالجنة فضلا عن المئات من الصحابة [84]، ولذلك عندما تتبع المحدثون مراسيله وجدوها مسندة. الثاني: مراسيل من كان يشك أو كان يحدث أحيانا من غير الصحابة فلما امتنع عن الإرسال لم يسند إلا ما تيقن أنه عن صحابي، ومن بعده روى عنه على هيئة الإرسال دون أن يوجد له طريق مسند، وعلى ذلك تحمل مراسيل مثل الحسن البصري، فإن منها مراسيل لم توجد لها طرف مسندة البتة [85]. الثالث: مراسيل من كان يحدث عن بعض المجاهيل [86] فلما احتاط امتنع عن تكرار التحديث عنهم لكن رويت عنه تلك الروايات وانتشرت على هيئة الإرسال وعلى ذلك تحمل مراسيل مثل الزهري والأعمش. ويوجد احتمال رابع يشمل كل تلك الحالات،وهي أن المراسيل كانت أحاديث تروى في مقام المذاكرة السريعة أو الموعظة المختصرة فكانت السرعة والاختصار في الموعظة تتطلب اختصار السند فينتشر عندئذ على هيئة الإرسال. لعل هذا التفسير لتاريخ الإرسال وأسبابه يبين علة وجود المرسل مع استقرار نظرية الإسناد. ولا يمكننا أن نذهب إلى أن نظرية الإسناد لم تكن واضحة المعالم بعد، أو أن التابعين تهاونوا في تطبيقها، لأن كل من أن أرسل من التابعين فإرساله هو النادر وإسناده هو الأكثر، فكيف نفسر الكثير بالقليل والنادر؟ إن الأوفق أن نحكم بالكثير على القليل لان النادر لا حكم له. بل إن النظر السديد والتأمل العميق يؤدي إلى القول بان في وجود المرسل دليلا على استقرار نظرية الإسناد لا على اضطرابها وعدم وضوحها. فاجتماعهم على تحبيذ الإسناد وعلى جعل المرسل هو الطارئ دليل على أنهم مزية الإسناد وفضيلته وما كان لأحد أن ينزع إلى المفضول مع قدرته على بلوغ الفاضل إلا عن ضرورة ملجئة أو علة وجيهة أو عذر من الأعذار يستوجب رفع المذمة ودرء النقيصة. وهناك مسالك وجيهة لتفسير وجود المرسل لا يصح أن نضرب عن ذكرها صفحا، فإنها وإن كانت قاعدة عن تبرير جواز الإرسال صناعة إلا أنها ناهضة لتسويغ إعذار من أرسل تساهلا. فمن ذلك ما روى الترمذي في العلل الصغير عن الأعمش قال: قلت لإبراهيم النخعي: أسند لي عن عبد الله ن مسعود، فقال: إبراهيم : إذا حدثتك عن الرجل عن عبد الله فهو الذي سميت، و إذا قلت: قال عبد الله فهو عن غير واحد [87] .فهذا منهج خاص واصطلاح مستقل للنخعي في الإرسال، أنه لا يرسل إلا حين يستفيض الرواة في النقل عمن يروى دلالة على بلوغ المنتهى في الثقة بالمنقول فيرويه عنه على هيئة المرسل اطمئنانا إلى صحة واستغناء بشهرته عن إسناده. وعلى هذا المسلك درج آخرون منهم الحسن البصري، قال الخطيب ابن ناصح: كان الحسن إذا حدثه رجل واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث ذكره، فإذا حدثه أربعة بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ألقاهم وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [88]. وروى ابن عبد البر عن الحسن البصري قال: ما حدثني به رجلان قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [89] . ومع ذلك كله فإن منهج النقد عند المحدثين لم يقف بوقف المتفرج تجاه هذه الإشكالية بل إنه تعامل معها بصرامة تتناسب وسمة التثبت التي اتصف بها هذا المنهج فلنستعرض كلام أصحاب المنهج في ذلك. حكم الاحتجاج بالمرسل: قال أبو داود في رسالته لأهل مكة:" أما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره.." [90] وقال ابن رجب الحنبلي في شرح العلل:" وقد ذكر ابن جرير وغيره أن إطلاق القول بأن المرسل ليس بحجة من غير تفصيل بدعة حدثت بعد المائتين " [91]. ويفهم من كلام ابن جرير أن قبول المرسل بالقيود كان قولا مشهورا قبل المائتين،ثم نشأ قول برد المرسل مطلقا. وما تحصل لي في هذه المسألة أن المرسل لم بتكلم فيه أحد بقبول أورد قبل الشافعي، وإنما كانوا يروون المرسل وهم يعملون انقطاع السند ولكنهم يحتجون بمضمونه فقط كما قال ابن رجب في شرح علل الترمذي. ثم جاء الشافعي ورد المرسل مستثنيا مراسيل سعيد وبعض المراسيل التي تتوافر فيها شروط أخرى [92]. لكن جل النقاد من مدرسة أهل الحديث رفض أي استثناء واعتبر الإسناد المرسل ناقصا غير مقبول حتى يرد كاملا موصولا من طريق أخرى، وما روى عن أحمد في قبوله بعض مراسيل التابعين أو الاحتجاج ببعض المراسيل التي توافرت فيها بعض الشروط فليس من باب صناعة الحديث أو النقد الحديثي، ولكن قاله تفقها لأنه كان يواجه مدرسة الرأي، فنظر بأن الأخذ والاحتجاج بصحاح المراسيل أولى من العمل بالرأي، وهذا معنى احتجاج الفقهاء بمضمون المرسل وليس اعتقادا منهم بصحة نسبة الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع انقطاع السند. وصفوة القول إن هناك فرقا بين الاحتجاج بالمرسل وبين صحة الحديث المرسل ، فالإسناد إذا صح إلى التابعي الذي لا يروي إلى عن صحابة أو توافر شروط أخرى تفيد الثقة بمراسيله يكون بذلك صالحا للاحتجاج ولكن لا يطلق ولكن لا يطلق القول بصحة الحديث من هذا الطريق المرسل، فالمرسل صورة ناقصة للإسناد ولم تختلف كلمتهم على ضعف الحديث المرسل، أي ضعف نسبته( كلاما ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما اعتماده ( احتجاجا) بديلا عن الرأي فهذا عمل غالب المحدثين والفقهاء [93] . وبهذا التخريج يلتئم منهج النقد عند المحدثين ويتناسق ، ولا تبدو قضية المرسل فيه نشازا او شذوذا ينال من اتساق قواعده وأحكامه. الخلاصة 1- قام منهج النقد عند المحدثين على أساس تحقيق اكبر قدر من الملاحظ المباشرة، وذلك عبر وجود الإسناد الذي هيأ للناقد تواصلا مع الرواية التاريخية لم يتوافر لمنهج النقد التاريخي عند الأوروبيين. 2- موت عملية نقد الروايات وصيانتها من الانتحال بمرحلتين أتاحت توثيق الأسانيد بأكبر قدر ممكن من الاحتياط والتثبت والتدقيق حتى تصل ( الأسانيد ) إلى الناقد على وجه يتيح له الرواية من خلالها. وهاتان المرحلتان هما : 1. توثيق الرواية منذ حدوثها إلى تدوينها 2. توثيق الرواية منذ تدوينها إلى نشرها وتداولها عن طريق الأوساط العلمية . 3- تظهر عبقرية منهج المحدثين من خلال الدقة المتناهية في الإرسال التي ابتكروها في تحمل وأداء الأسانيد وتصحيحها. 4- تبنى منهج النقد عند المحدثين مبدأ البحث عن وجود سقط في الإسناد أو انقطاع بين الرواة، واعتبروا هذا القادح الظاهر سببا في اطراح الرواية لعدم وجود الاتصال في المسند وابتكروا لذلك طرقا فريدة في الكشف عن الانقطاع بين الرواة . 5- وجدت أسباب تاريخية أدت إلى وجود صورة الحديث المرسل، وقد عالج المحدثون إشكالية المرسل لأنها تحتل خصوصية في سياق نظرية الإسناد، فاعتبروا هيئة الحديث المرسل مرفوعة من حيث صورة الإسناد المنقطع، لكنهم احتجوا بمضمون المرسل بشروط معينة. ________________________________________ [1] - مناهج البحث عند مفكري الإسلام . علي سامي النشار. ص375 وينبغي الإشارة إلى خطأ الدكتور النشار في تصنيف علم مصطلح الحديث تحت المنهج الاستردادي باعتباره صنو المنهج البحثي التاريخي الحديث كما عرفه لانجلوا و سينوبوس، فمن عرضه يستبين أنه لم تحصل له صورة واضحة عن منهج المحدثين في النقد ا، إذ لم يزد على أن قال: " وقد توصل المسلمون إلى كل ما توصل أليه علماء مناهج البحث التاريخي…" وأثبت مجرد السبق ، لكن منهج المحدثين تفرد بنظريات ومجالات لم بتطرق إليها المنهج الأوروبي أصلا كما أنه يخالفه في البيئة التي نشأ فيها ويفارقه ببعد ديني وعمق أخلاقي فريد. [2] - المدخل إلى الدراسات التاريخية لانجلوا سينوبوس.ص 43 [3] - السابق ص90 [4] - دراسات عن المؤرخين العرب. مرغليوث. ترجمة حسين نصار .ص.30. وانظر التاريخ عند المسلمين . محمد عبد الغني حسن صفحات 11،53،،63،67. والواقع أن الحقيقة العلمية في يقينها بالنسبة للمشاهد والملاحظ ولغيره لا تختلف عن الرواية التاريخية، فقوانين الجاذبية مثلا يقينية في حق الممارس لها العارف بها، وإخباره عن يقينها للجاهل بها مثل إخبار المشاهد للواقعة التاريخية من لم يشاهدها. فارتدت المعرفة لدى كليهما بالنسبة لغير الملاحظ والمشاهد بنفسه إلى مجرد الإخبار، فلا بد من معايير النقد الأخلاقية التي انفرد بها منهج المحدثين. [5] - نزهة النظر شرح نخبة الفكر لبن حجر ص 73 [6] - السابق ص 74-77 [7] - السابق ص 77. ونسجل في المقابل، أن المنهج الأوروبي في النقد التاريخي لما كان استردادا فإنه انبنى على التركيب والتخييل، يقول سينوبوس في رسالة له في النقد التاريخي:" والمسلك الذي تفرضه طبيعة مادة المعرفة في التاريخ هو البدء من الوثيقة وهي الأثر المادي الوحيد عن الماضي ، ثم الارتفاع في سلسلة العمليات النفسية : الكتابة، اللغة، والمعنى المجازي والمعنى الحقيقي وتمثيل الشيء في نفس المؤلف حتى نصل إلى الواقعة التي= =عرفها " النقد التاريخي ترجمة عبد الرحمن بدوي ص (ج) ويراجع ما أشار إليه الأستاذ حسن الشافعي والأستاذ محمد الجليند من تأثر التفكير التاريخي الغربي بالرومانسية . المنطق و مناهج البحث . للأستاذين المذكورين ص 171 فما بعدهما. [8] - المدخل إلى الدراسات التاريخية. لانجلوا وسينوبوس .ص.139 [9] - السابق ص 71 [10] - رسالة سينوبوس في النقد بعثها لأحد أصدقائه وترجمها وطبعها عبد الرحمن بدوي ضمن مجموع النقد التاريخي ص (و). [11] - المقصود بالتوثيق في عرضنا لمنهج المحدثين : عملية التثبت واكتساب الثقة في الرواية ، وليس المراد المعنى اللغوي الظاهر أو الاصطلاحي في الجرح والتعديل وهو جعل أو اعتبار الراوي ثقة.وآثرنا استخدام هذا الاصطلاح الخاص للإيحاء بالمعنى العلمي المعاصر للتوثيق وهو فن معالجة المعلومات غير العددية ويقوم علي أساس سلسلة من العمليات في التجميع والتحليل والبحث والبث لأن ثمة أوجها من الشبه بين التوثيق عند المحدثين وهذا المعنى العلمي المعاصر. انظر ( أصول التوثيق. جاك شومييه. ترجمة أنطوان عبده ص 19. ط لبنان غير مؤرخة. [12] - علوم الحديث لابن الصلاح ص139 بحاشية العراقي. واعتمده النووي في التقريب (2/6) وصححه القسطلاني في كتاب المنهج وقرره السيوطي. انظر تدريب الراوي شرح تقريب النواوي للسيوطي (2/6-7). [13] - "إخبار الصحابي عن شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحوه مما يعلم أنه لم يحضره لصغر سنه أو تأخر إسلامه فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح الذي قطع به الجمهور". أنظر تدريب الراوي للسيوطي (1/207). [14] - لقد بنى أصحاب النقد التاريخي الأوروبي منهجهم على مبدأ الشك والارتياب المسبق والمطلق في كل رواية تاريخية محاولين بذلك تطبيق الشك المنهجي عند ديكارت لإضفاء صبغة العلم على التاريخ، وقد يكون الشك المنهجي مناسبا لخطوات البحث العلمي القائم على الملاحظة والتجربة لدراسة الفروض والاحتمالات، على ضوء المعطيات الموجودة، لكن منهج النقد التاريخي الأوروبي كان مفلسا من أية فرصة للملاحظة، ومن أية معطيات موجودة، فغدا يطبق شكه على تيك الفروض والاحتمالات دون أي نسق علمي واضح، وإنما هو الذوق الذي يبنى عليه التركيب التاريخي في الجملة. أنظر مدخل إلى الدراسات التاريخية لانجلوا سينوبوس ص122 وأسس الفلسفة د. توفيق الطويل ص299 فما بعدها. وسيأتي مزيد تناول لهذه القضية أثناء عرض منهج المحدثين في التوثيق. [15] - لقد كان التقليد العلمي عند المحدثين استخدام الطريقتين (التحديث بإملاء وبغير إملاء) وإن كان الأكثر في عصور الرواية الأولى والمبكرة التحديث بدون إملاء، ثم ظهر الإملاء كتقليد خاص عندما كثر التدوين وكثر النقلة والمحدثون. أنظر دراسات في الحديث النبوي الشريف. محمد الأعظمي (2/350-359) وأدب الإملاء والاستملاء للسمعاني ص13. [16] - أكثر ما يستعمل في هذه الطريقة: حدثنا ثم أخبرنا وكان هذا قبل أن يشبع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ (كما سيأتي). أنظر علوم الحديث لابن الصلاح ص141. [17] - وهو قليل في الاستعمال. انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص141 [18] - استحبوا إذا كان السماع حال المذاكرة أن يقول: قال لنا أو ذكر لنا، لأنه لائق بسماع المذاكرة وبه أشبه. أنظر علوم الحديث لابن الصلاح ص142 وتدريب الراوي للسيوطي (2/11). [19] - أنظر تدريب الراوي للسيوطي (2/19) [20] - السابق (2/25) [21] - صحيح البخاري (6/2640) تحقيق مصطفى البغا. [22] - أي الإذن بالرواية ولها أنواع كثيرة. أنظر تدريب الراوي (2/29-43) [23] - المناولة أن يدفع الشيخ لتلميذه مروياته سواء أذن له بالرواية منها أو لم يأذن، ولها صور. أنظر تدريب الراوي (2/44-55) [24] - هي أن يكتب الشيخ مروياته لحاضر أو غائب بخطه أو بأمره ولها أضرب. انظر تدريب الراوي (2/55-58) [25] - إعلام الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه، مقتصرا على ذلك. أنظر تدريب الراوي (2/58-59) [26] - أن يوصي الشيخ عند موته أو سفره بكتاب يرويه. أنظر تدريب الراوي (2/59-60) [27] - بكسر الواو مصدر لوجد مولد غير مسموع من العرب، وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها الواجد، فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه.. حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن. أنظر تدريب الراوي (2/60-63). وكل هذه الطرق خلاف الأصل في الرواية عند المحدثين، لأنها لا مشافهة فيها، لذلك حصل فيها خلاف بين العلماء والنقاد ولم يستقر إجماع على شيء منها بخلاف المشافهة، والملاحظ أن غالب هذه الطرق استخدمها المحدثون في الصدر الأول من عصور الرواية بقلة شديدة، ثم إنهم يبينون ما كان من جنس هذه الطريقة أو تلك، ثم توسع المتأخرون في تلك الطرق لاستقرار التدوين وشهرة المصنفات، وإنما توسعوا في الرواية بها إبقاء لخصيصة الإسناد في الأمة. [28] - تدريب الراوي للسيوطي (2/22). [29]- إن كثيرا من العمليات التوثيقية التي ذكرناها ساقطة تماما من مجرد التفكير فيها- فضلا عن تطبيقها – لدى المنهج النقدي عند الأوروبيين، فكما أسلفنا أن نقدهم يبدأ منذ وجد أن الوثيقة أما قبل ذلك فهم على العكس من تراث المسلمين، يواجهون قدرا عظيما من الانتحال والتزييف والكذب يصل لدرجة تثير الشفقة، حتى إننا لا نتعجب حين نراهم- لتلك الأسباب- يمرون في مراحل النقد بعمليات فحص شديدة الوعورة والتعقيد، مع ابتناء منهجهم – كما في الوثيقة. يقول لانجلوا:" إن انتحال الكتب اليوم نادر، يحرمه القانون ويلطخ صاحبه بالعار أما قديما فقد كان عادة جارية مقبولة، لايعاقب صاحبها". مدخل إلى الدراسات التاريخية.لانجلوا سينوبوس.ص70. ونحن لن نندهش كثيرا من هذه الأخلاقيات المتدنية، فإن الشعوب التي لم تستطع أن تحافظ على نسخثين متشابهتين من كتابهم المقدس(الإنجيل) جديرون بأن يتقنوا الانتحال والكذب والتزييف لما هو أقل قدسية. [30]- على خلاف المشتهر بين الأوساط العلمية أن الأوربيين هم السابقون في ذلك، شأن الكثير من السبوق العلمية التي يثبت التاريخ حوزتها للمسلمين. [31] - في كل كتب المصطلح الحديث بلا استثناء يفردون فصلا، وبعضهم يسميه علما أو نوعا من علوم الحديث وهو: كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده. وينبغي أن ننوه أن الخط العربي على وجه العموم بلغ الغاية في الإتقان من حيث المنهج العلمي وتقعيد ضوابط كتابته وفق نظريات حسابية وهندسية. [32] - علوم الحديث لابن الصلاح ص 171. [33]- اختصرنا مادة هذا المبحث وانتقيناها من الفصل الذي أفرده ابن الصلاح في مقدمته، وقد قام الأستاذ أحمد شاكر –المحدث المعروف- بطبع هذا الفصل مستقلا ليعرض فيها منهج المسلمين في ضبط الكتاب مقترحا أن تكون فنيات المحدثين في تقييد الكتاب منهجا علميا يلتزم به مصححوا الكتب ومحققوها في عالم اليوم.انظر: تصحيح الكتب وصنع الفهارس المعجمة وكيفية ضبط الكتاب: أحمد شاكر.ط مكتبة السنة بمصر 1410هج [34] - علوم الحديث لابن الصلاح من ص 172 إلى ص183 بتصرف. [35] - وللمحدثين تفصيل أوسع في التصحيفات والتحريفات ضمنوه نوع " معرفة المصحف" من علوم الحديث، ولهم فيها تصنيفات خاصة مثل مصنف الدارقطني وأبو احمد العسكري(انظر: تدريب الراوي 2/193) وهو شبيه بكشاف التحريفات الذي ابتكره ووضعه أصحاب المنهج الأوروبي في النقد التاريخي لإعانة العلماء المحصلين – محققي المخطوطات – على كشف الخطاء ومعرفة الاحتمالات الصائبة فيما غمض. ( انظر: المدخل إلى الدراسات التاريخية.لانجلوا و سينوبوس. ص. 58) [36] - الجدير بالذكر أن مثل هذه الفنيات الدقيقة وجد كثير من تفاصيلها منذ القرن الرابع الهجري عند الرامهرمزي في كتابه" المحدث الفاصل" والخطيب البغدادي في كتابيه "الكفاية" و "الجامع"، لكن فرانز روزنتال ( من المستشرقين المعنيين بالتراث الإسلامي ) اختار كتاب الشيخ عبد الباسط العلموي المتوفى سنة 981هج واسمه " المعيد في أدب المفيد والمستفيد " ليكون مثالا لدراسة مركزة ومنظمة حول طريقة التأليف والتصنيف ومعالجة فنيات الكتابة والخط وكان حريا به أن ينوه على ان هذا الفن قد وجد في الحضارة الإسلامية منذ عصر مبكر ( انظر مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي فرانز روزنتال .ت:أنيس فريحة ص). [37] - السابق. [38] - قضية كلام ابن الصلاح أن ذلك كان شائعا في العصور المتقدمة، أي عصور الرواية بالمشافهة . انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص177 [39] - علوم الحديث لابن الصلاح ص 177 [40] - السابق ص 185 [41] - صفحة مشرقة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين. عبد الفتاح أبو غدة. ص99. وقد اشتهر عند المحدثين قولهم:" الأسانيد أنساب الكتب" أنظر: التأصيل بكر أبو زيد ص75. [42] - طبع مع السنن ألحقت السماعات بها (طبعة الهند في مدينة حيدر آباد الدكن)، ثم أفرده الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة بطبعة مستقلة مصدرة بدراسة وسماها: صفحة مشرقة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين. ط حلب بسورية سنة 1412هـ. [43] - هو كاتب الطباق وسيأتي بيان معناه. [44] - نقتصر على اصطلاحين ذوي صلة بمسألة التوثيق هما: الرواية على الوجه والطباق. ولأنني لم أجد تعريفا شافيا في كتب المحدثين فبحث عن لدلالتها من خلال تضاعيف التراجم وكتب الرجال وبعض كتب المصطلح. [45] - المائدة 108 [46] - أخطأ الأستاذ فؤاد سيزكين حين ظن أن مصطلح : الرواية على الوجه يدل على السماع والقراءة على الشيخ فقط( تاريخ التراث العربي 1/240) واستشهد بقول ابن سعد في الطبقات (7/328) عن عبد الله بن عبيد الرحمن أنه روى كتب الثوري على وجهها، وبما في تاريخ بغداد (4/163) عن أحمد بن أبي خيثمة أنه كان يشترط على من يسمع ويروي عنه تاريخه أن يسمعه ويرويه على الوجه، وقد تعقبه الأستاذ اكرم العمري في كتاب: ( دراسات تاريخية ص 239) بأن من المحتمل والجائز أن يكون المرد بمصطلح الرواية على الوجه أنه الرواية الكاملة وقال:" إنه احتمال بدا له" وطلب ممن له دراية بالمعنى أن يوضحه. وما احتمله وجوزه هو الصحيح لما ذكرنا أعلاه، وما أورده الأستاذ فؤاد سيزكين عن طبقات لبن سعد وتاريخ بغداد ظاهر فيما وجهناه.والله أعلم. [47] - الجامع لخلاق الراوي وآداب السامع. الخطيب البغدادي(2/155). [48] - أي متمنعا غير سهل في بذل الرواية، وقد كان بعض المحدثين على هذه الصفة ضنا بعلمهم عمن لا يستحقه. [49] - الضعفاء والمجروحين لابن حبان البستى(1/32) .. [50] - الطباق جمع طبقة. هكذا استعمله بعض الباحثين ( انظر القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية1/21-22 نقل اعن أبي غدة) ولعله موجود في بعض التراجم، والأوجه عندي تخريجه على المصدرية لا على الجمع، من طابق طباقا ومطابقة) ويمكن توجيه ( طباق جمع طبقة) على طبقات السامعين للكتب ومراتبهم وفيه تكلف. والله أعلم . [51] - توهم المؤرخ الشيخ محمد أحمد دهمان الدمشقي في مقدمة " القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية" (1/21) أن الإجازة المثبتة في آخر النسخة المسموعة هي نفس الطباق، وليس بصحيح، فالطباق هو قيد السماء وتفصيلات السماع من عدد مجالس ومكان وزمان ونحو ذلك، أما الإجازة فهي الإذن بالرواية لمن ثبت سماعه على نحو ما هو مثبت في الطباق، ولم تكن هذه الإجازة مع الطباق في القديم بل حدثت في نحو القرن السادس الهجري وأول من كتب الإجازة مع الطباق –فيما ذكر الحافظ العراقي- هو أبو طاهر إسماعيل بن عبد المحسن الأنماطي. قال ابن عتاب الأندلسي: لاغنى في السماع عن الإجازة لنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو السامعون فينجبر ذلك بالإجازة. قال الحافظ العراقي: ولقد حصل به نفع كبير، فقد انقطع بسبب ترك ذلك وإهماله اتصال بعض الكتب في بعض البلاد بسبب كون بعضهم كان له فوت ولم يذكر في طبقة السماع إجازة الشيخ لهم، فاتفق أن كان بعض المفوتين آخر من بقي ممن سمع بعض ذلك الكتاب فتعذر قراء الكتاب عليه كأبي الحسن بن الصواف الشاطبي راوى غالب النسائي عن ابن باقا . انظر تدريب الراوي(2/25). [52] - وقد تكتب في آخر النسخة وسيأتي كيفية كتابة الطباق. [53] - أنظر المحدث الفاصل للرامهرمزي ص 589، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي ( 1/241) والإلماع فى معرفة أصول الرواية وآداب السماع ص 223 ومقدمة ابن الصلاح ص 184. [54] - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. الخطيب البغدادي (1/241). [55] - صفحة مشرقة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين. عبد الفتاح أبو غدة. ص.149 [56] - علوم الحديث. ابن الصلاح ص 183 [57]- استحبوا أن يكتب الطباق بخط قوي أمانا من الحك( أي التزوير). ورد في ترجمة سنجر ابن عبد الله التركي في معجم المحدثين للذهبي(1/106):"عني بالرواية وصار له أنسة بالفن وكتب الطباق بخط قوي". [58] - أي المشهورون بالرواية والأخذ عن الشيوخ. وكلام ابن الصلاح يوحي بوجود مأخذ فيما لو كتب الطباق بخط نفسه، وهو صحيح، لأن فيه تهمة، حيث اتهم بعض الرواة بتزوير الطباق.ففي ترجمة أحمد بن سعيد العسكري أبو الحارث في ميزان الاعتدال (1/237) قال الذهبي: متأخر حدث عن الترسي،يزور الطباق. وفي ترجمة راو آخر في سير أعلام النبلاء(22/109) نقل الذهبي عن ابن النجار قوله في ذلك الراوي، قال: سماعاته بخطوط المعروفين صحيحة فأما ما كان بخطه فلا يعتمد عليه كان يلحق اسمه في الطباق لكن تعقبه ابن حجر في لسان الميزان(4/6) بأنه يجوز أنه كان يوجد اسمه فيه أما فقدان الأصول فلا ذنب للشيوخ فيه.وقد كانوا يستدلون على كذب السماعات بما في الطباق. ففي وفيات السلامي (1/296) قال عن أحد الرواة:" قد أخبروه بسماع جميع الكتاب ( صحيح البخاري) من قطب العارفين محمد بن أبي البركات، قال السلامي: فأخذت البخاري جميعه وقرأت الطباق فوجدت المجلد الأول ليس عليه طبقة بالكلية بل على الخمسة، وجميع الطباق بخط العلامة فخر الدين التوزري، فأما المجلد الرابع والخامس فسمعهما واسمه على كل مجلد، وأما المجلد الثاني والثالث فيحتمل أنه سمعهما ويحتمل لا، وسماعه للمجلد الثالث أظهر من سماعه للثاني وسبب ذلك أنه مكتوب في المجلد الرابع والخامس اللذين سمعهما محققا على هذه الصفة وهي ( وعيسى ومحمد ولدا الحجي) وأما المجلد الثالث فمكتوب: (وعيسى ومحمد...) وباقي السطر لما رَثَّ لُصِقَ عليه ورقة فليس ببعيد أن يكون بعد قوله"(ومحمد ولدا الحجي …)فعلى هذا والله أعلم يكون المذكور قد سمع جميع البخاري إلا هذا الفوت المعين وإلا جميع المجلد السادس وأوله كتاب الدعوات وآخره آخر الكتاب" [59] - انظر تدريب الراوي للسيوطي(2/25) [60] - علوم الحديث لابن الصلاح ص 184. [61] - نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر ص82. وسيأتي في نظرية العلة التفريق بين الشاذ والمعلل، لكن نشير هنا إلى أن الشاذ عند المحدثين يتوقفون فيه لأن الشاذ هو الذي خالف فيه الثقة من هو أوثق منه، ومنهم من لا يحتج به، والفقهاء والأصوليون لا يعتبرون شروط الشذوذ. أنظر نكت ابن حجر على ابن الصلاح ص63-64. [62] - الأمور التي تقدح في الخبر إما أن تعود إلى نظام اتصال السند وهو سقط الرواة، أو إلى ضعف في الرواة ذواتهم وهو ما يتعلق بجرحهم وتعديلهم أو إلى خطأ خارج عن المعتاد من نظام الإسناد والجرح والتعديل وهو العلة. ونحن قد قسمنا الكلام عن منهج المحدثين في نقد الأسانيد على هذه الأقسام التي تمثل كبرى نظريات النقد عندهم. [63] - ومما اختلف فيه المحدثون النقاد حول شرط اتصال السند قضية لقاء الرواة ومعاصرتهم، حيث شرط جمهور المتقدمين وكثير من المحققين ثبوت اللقاء ولو مرة بين الراوي وشيخه ليثبت اتصال السند وإلا فإنه يتوقف فيه أو يحكم بانقطاعه، واشهر من ذهب إلى ذلك علي بن المديني والبخاري، وذهب جمهور المتأخرين وعليه العمل عند جماهير المحدثين والمحققين أن ثبوت المعاصرة بين الراويين كاف في ثبوت اتصال السند وإن عنعن الراوي ما لم يكن مدلسا فإنه لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث، واشهر من ذهب إلى هذا الإمام مسلم في مقدمة صحيحه وشنع فيه على المخالف. أنظر: شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي ص268 [64] - انظر تدريب الراوي (2/349-350). [65] - تدريب الراوي (1/205-206). [66] - السابق (1/203). [67] - السابق (1/206). [68] - تدريب الراوي (1/ 223-231) ولهم في ذلك تفصيلات كثيرة تتعلق بأنواع التدليس ترجع كلها في النهاية إلى ما ذكرنا. [69] - انظر: التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل. عبد الرحمن المعلمي ( 1/ 82). [70] - تدريب الراوي (1/262-267). [71] - السابق (1/628-274) [72] - تدريب الراوي(1/291-295) [73] - المرسل لغة من قوله: أرسلت كذا إذا أطلقته و لم تمنعه، فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده براو معروف ويحتمل أن يكون من قولهم: جاء القوم أرسالا أي قطعا متفرقين،ويجوز أن يكون المرسل من قولهم:ناقة مرسال أي سريعة السير وفي الاصطلاح له ثلاثة معاني :الأول :هو ما رفعه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو إقرار سواء كان التابعي صغيرا أو كبيرا. الثاني: وهو ما رفعه التابعي الكبير إلي رسول الله صلي الله عليه و سلم.نحو سعيد بن المسيب. الثالث: هو ما سقط راو من إسناده واكثر في أي موضع كان، فعلى هذا فهو و المنقطع سواء. وإلى المعني الأول ذهب جمهور المحدثين، و هو الذي سيدور عليه هذا المبحث.انظر معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري ص25 وعلوم الحديث لابن الصلاح ص 47. وأهم المؤلفات في المرسل: 1- المراسيل لابن أبي حاتم. 2- المراسيل لأبي داود. 3- جامع التحصيل لأحكام المراسيل للحافظ العلائي. [74] - رواه البخاري (1/52) [75] - رواه ابن ماجة في المقدمة حديث رقم 3 [76] - رواه ابن ماجة ( 2/843) [77] - رواه أحمد بن حنبل في المسند(3/433) [78] - رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص 235 [79]- رواه الخطيب في الخطيب في الكفاية ص 382 [80] - تدريب الراوي. السيوطي(1/207) [81] - وغلى هذا يشير قول محمد بن سيرين وهو من التابعين: " كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة…" ومضى تخريجه. [82]- وعليه يحمل قول يحيى بن سعيد القطان:" لوكان فيه إسناد لصاح به" أي انه لشكه تورع عن ذكر الإسناد فاهمله ولم يعد لروايته. وهذا الحمل أولى من حمله على أنه رواه عن غير ثقة وأنه أسقطه تعمية( كما قال ابن رجب الحنبلي ) لأن هذا يعد من تدليس التوبة ولم يقل أحد من أهل العلم أن من أرسل فهو مدلس ، والتدليس يضعف به الراوي ( خاصة التسوية) ولم يعرف عن أحمد ممن أرسل من التابعين أنه ضعف لذلك . ( انظر : شرح ابن رجب لعلل الترمذي ص 226). [83] - وعلى هذا يحمل قول محمد بن سيرين :" كان أربعة يصدقون من حدثهم : أبو العالية والحسن وحميد بن هلال ورجل آخر سماه " (شرح ابن رجب لعلل الترمذي ص 229). [84] - وروى البخاري في التاريخ الكبير عن عبيد الصيد قال : قال الرجل للحسن إنك لتحدثنا : قال النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كنت تسند لنا ؟ قال : والله ما كذبناكم ولا كذبنا، لقد غزوت إلى خراسان غزوة معنا فيها ثلاثمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحسن فكيف بسعيد ؟قال ابن رجب : " وهذا يدل على أن مراسيل الحسن أو أكثرها عن الصحابة" ( شرح علل ص 221) . [85] - قال أبو زرعة الرازي " كل شئ يقول الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت له أصلا ثابتا ما خلا أربعة أحاديث" .شرح العلل ص226 [86] - قال الشافعي: إرسال الزهري عنده ليس بشئ وذلك إنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم وقال مهنا لحمد : لم كرهت مرسلات الأعمش ؟ قال : كان الأعمش لا يبالي عمن حدث .شرح العلل ص 226 و 239. - [87] العلل الصغير للترمذي ص 223بشرح ابن رجب [88] - شرح ابن رجب لعلل الترمذي ص 227 [89] - التمهيد لابن عبد البر (1/57) [90] - رسالة أبي داود لأهل مكة ص 24 [91] - شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي ص 233 [92] - السابق ص 234-239 [93] - قال ابن رجب الحنبلي :" واعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ وكلام الفقهاء في هذا الباب، فإن الحفاظ يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا، وهو ليس بصحيح على طريقتهم لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعين الذي دل عليه الحديث ( المضمون) فإذا عضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلا قوي الظن بصحة ما دل عليه فاحتج به مع ما احتف به من القرائن وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما مع أن في كلام الشافعي ما يقتضي صحة المرسل حينئذ " شرح علل الترمذي ص 232 ======================== http://rasolallah.abed-alkarem.com/mak/6.html |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق